شبه جزيرة سيناء لا تبدو فى الظاهر سوى صحراء.. ولكنها أكثر من ذلك بكثير. والباحث فى تاريخها سيجد من هذا "الكثير".. الكثير أيضا.
تقع سيناء بين البحر المتوسط وخليج السويس وقناة السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة. وهى تربط أفريقيا بآسيا. ويحدها من الشرق فالق الوادى المتصدع الممتد من كينيا عبر القرن الأفريقى إلى جبال طوروس بتركيا. وهذا الفالق يتسع بمقدار 1 بوصة سنويا. و مساحتها 60,088 كم2 ويسكنها 380,000 نسمة.
قاعدتها العريش التى تنقسم فى الشمال والتيه فى الوسط والطور فى الجنوب حيث الجبال العالية أهمها جبل موسى 2,285 متر و جبل القديسة كاترينا 2,638 متر "أعلى جبال فى مصر" وفى هذا الجبال فى دير سانت كاترين وكنيسة غنية بالآثار والمخطوطات بناها جوستنيان عام 527. وتضم محافظتى شمال وجنوب سيناء.
لا شك أن الوضع الجغرافى لسيناء كان له تأثيره على التوزيع السكاني، بل من الملاحظ أنه كان له أيضا تأثير على الاسم الذى أخذته سيناء. فهناك خلاف بين المؤرخين حول أصل كلمة "سيناء"، فقد ذكر البعض أن معناها "الحجر" وقد أطلقت على سيناء لكثرة جبالها، بينما ذكر البعض الآخر أن اسمها فى الهيروغليفية القديمة "توشريت" أى أرض الجدب والعراء، وعرفت فى التوراة باسم "حوريب"، أى الخراب. لكن المتفق عليه أن اسم سيناء، الذى أطلق على الجزء الجنوبى من سيناء، مشتق من اسم الإله "سين" "إله القمر" فى بابل القديمة حيث انتشرت عبادته فى غرب آسيا وكان من بينها فلسطين، ثم وافقوا بينه وبين الإله "تحوت" "إله القمر المصري" الذى كان له شأن عظيم فى سيناء وكانت عبادته منتشرة فيها.. وبكلام آخر عرفت سيناء كأرض القمر. ومن خلال نقوش سرابيط الخادم والمغارة يتضح لنا أنه لم يكن هناك اسم خاص لسيناء، ولكن يشار إليها أحياناً بكلمة "بياوو" أى المناجم أو "بيا" فقط أى "المنجم"، وفى المصادر المصرية الأخرى من عصر الدولة الحديثة يشار الى سيناء باسم "خاست مفكات" وأحياناً "دومفكات" أى "مدرجات الفيروز".
أما كلمة الطور التى كانت تطلق على سيناء فى المصادر العربية، فهى كلمة أرامية تعنى "القمر"، وهذا يعنى أن طور سيناء تعنى "جبل القمر"، وكان قدماء المصريين يطلقون على أرض الطور اسم "ريثو" بينما يطلقون على البدو فى تلك المنطقة بصفة عامة اسم "عامو".
وقد ظل الغموض يكتنف تاريخ سيناء القديم حتى تمكن الباحثون عام 1905 من اكتشاف اثنى عشر نقشا عرفت "بالنقوش السينائية"، عليها أبجدية لم تكن معروفة فى ذلك الوقت، وفى بعض حروفها تشابه كبير مع الأبجدية الهيروغليفية، وظلت هذه النقوش لغزا حتى عام 1917 حين تمكن عالم المصريات جاردنر Gardinar من فك بعض رموز هذه الكتابة والتى أوضح أنها لم تكن سوى كتابات كنعانية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد من بقايا الحضارة الكنعانية القديمة فى سيناء.
والواضح أنه خلال الدولة القديمة كانت هناك صلة بين سيناء ووادى النيل، ولعبت سيناء فى ذلك التاريخ دورا مهما كما يتضح من نقوش وادى المغارة وسرابيط الخادم. فقد كانت سيناء بالفعل "منجما" للمواد الخام كالنحاس والفيروز الذى يستخرج المصريون القدماء ما يحتاجونه فى الصناعة، كما كان سكان شمال سيناء وهم "الهروشاتيو" "أى أسياد الرمال"، وجنوبها وهم " المونيتو" الذين ينسبون الى الجنس السامي، كانوا يشتغلون بالزراعة حول الآبار والينابيع، فيزرعون النخيل والتين والزيتون وحدائق الكروم، كما يشتغلون بحرف الرعى على العشب التناثر فى الصحراء، ويرتادون أسواق وادى النيل فيبيعون فيه ما عندهم من أصواف وعسل وصمغ وفحم ويستبدلونه بالحبوب والملابس، كما كانت الحملات الحربية تخرج من مصر فى بعض الأحيان لتأديب بعض البدو فى سيناء نتيجة الغارات التى كانوا يشنونها على الدلتا.
وتدل آثار سيناء القديمة على وجود طريق حربى قديم وهو طريق حورس الذى يقطع سيناء، وكان هذا الطريق يبدأ من القنطرة الحالية، ويتجه شمالاً فيمر على تل الحى ثم بير رومانة بالقرب من المحمدية، ومن قطية يتجه الى العريش، وتدل عليه بقايا القلاع القديمة كقلعة ثارو، ومكانها الآن "تل أبو سيفة"، وحصن "بوتو" سيتى الذى أنشأه الملك سيتى الأول، الذى يقع الآن فى منطقة قطية.
ولم تقتصر أهمية سيناء من الناحية التاريخية فى تلك الفترة على ما تسجله تلك النقوش، ولكن ارتبط اسمها أيضا بحادث مهم آخر، وهو أنها كانت مسرحا لحادث خروج بنى إسرائيل The Exidous من مصر وتجولهم فى صحراء سيناء. وبنو اسرائيل هم أبناء يعقوب، ابن ابراهيم الخليل عليه السلام، وهؤلاء لم يكونوا يهودا كما يزعم "الاسرائيليون" لانهم ظهروا كمجموعة بشرية قبل ظهور النبى موسى بأكثر من 006 سنة.
وخلال العصرين اليونانى والرومانى استمرت سيناء تلعب دورها التاريخي، فنشأت فيها العديد من المدن التى سارت على نمط المدن اليونانية، والتى كان أشهرها هى مدينة البتراء Petra، وهى مدينة حجرية حصينة فى وادى موسى، كانت مركزا للحضارة النبطية التى نسبت الى سكانها من الأنباط، وهناك خلاف كبير حول أصل الأنباط، والمرجح أنهم من أصول عربية نزحت من الحجاز، لأن أسماء ملوكهم كانوا ذوى أسماء عربية كالحارث وعبادة ومالك.
وقد استخدم النبطيون طرق التجارة، وعدنوا الفيروز فى وادى المغارة والنحاس فى وادى النصب، وكانوا يزورون الأماكن المقدسة فى جبلى موسى وسربال، كما سكن رهبان من البتراء دير سانت كاترين فى صدر العصر المسيحي، وكانت أبرشية فيران قبل بناء الدير تابعة لأبرشية البتراء.
كانت هناك حضارات مزدهرة فى سيناء خلال فترات التاريخ القديم، فكانت سيناء بمثابة منجم المعادن الذى مد حضارة مصر القديمة بما تحتاجه، ولم تكن تلك صحراء خالية من العمران. كما اتضح وجود صلات وثيقة بين سيناء ووادى النيل طوال تلك الفترة، ولم يكن هناك انفصال تاريخى بينهما، ويدل على ذلك تلك الآثار المصرية الموجودة على أرض سيناء. وإذا ما انتقلنا الى العصر الإسلامى نجد أن عمرو بن العاص حينما قدم الى مصر لفتحها قد سلك طريق حورس فى شمال سيناء، فاستولى على العريش، وتقدمت قواته ففتحت بولوزيوم أو الفرما، وبعدها تقدم الى بلبيس التى كانت نقطة مهمة على الطريق الذى يقطع سيناء الى الشام.
وخلال فترة الحروب الصليبية تعرضت سيناء لمحاولة الغزو من قبل الصليبين، حيث قام بلدوين الأول حاكم بيت المقدس الصليبى بالتوغل فى وادى عربة للسيطرة على المنطقة الواقعة جنوبى البحر الميت، ثم شيد سنة 1115م حصن الشوبك ليكون مركزاً يمكن للصليبيين من السيطرة على وادى عربة بأكمله.
وفى العام التالى " سنة 1116" خرج بلدوين فى حملة أخرى، وسار حتى أيلة على ساحل خليج، وشيد فى أيلة قلعة حصينة ليستطيع التحكم فى الطريق البرى للقوافل بين مصر و الشام. وتمكن بلدوين من تشييد قلعة فى جزيرة فرعون الواقعة فى مواجهة أيلة فى خليج العقبة.
وبذلك تمكن الصليبيون من الإشراف على شبه جزيرة سيناء التى أخذت تحرك فى قلوبهم ذكريات ومشاعر دينية عزيزة عليهم، لكن على الرغم من ذلك فإن رهبان دير سانت كاترين رفضوا استضافة بلدوين خشية انتقام الفاطميين فى القاهرة، مما جعل بلدوين ينصرف عائدا الى بيت المقدس. واستمر بلدوين فى استراتيجيته الرامية الى السيطرة على شبه جزيرة سيناء الطرق المؤدية إليها، فبنى قلعة وادى موسى فى عام 1117، وفى العام التالى خرج بلدوين بحملة عبر الطريق الشمالى الذى يمر بشمال سيناء، ووصل الى الفرما حيث أحرقها، وفى أثناء عودته أصيب بمرض، نتيجة تناوله لوجبة من السمك أدى الى وفاته، وحمل جثمانه الى القدس ليدفن بها.
وقد تعرضت العريش لهجوم الصليبيين فى عام 577هـ 1181م وقطعت أشجار نخيل سيناء وحمل الصليبيون جذوعها الى بلادهم لاستخدامها فى صناعة السفن المعروفة بـ"الجلاب" التى تصنع من جذوع النخيل، وذلك ضمن خطة رينالد من شاتيون حاكم حصن الكرك الصليبى للسيطرة على البحر الأحمر. إلا أن خطة رينالد فى السيطرة على سيناء والبحر الأحمر فشلت نتيجة الجهود التى قام بها الأيوبيون، وخاصة صلاح الدين الأيوبى فى وقف حملات رينالد فى البحر الأحمر و التى وصلت حتى عدن، و إسطول حسام الدين لؤلؤ، الذى دمر الإسطول الصليبي. وتغير مركز سيناء ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي، فقد رأيناها منذ الاحتلال الإسلامى مجرد قنطرة تعبرها القبائل المختلفة من بلاد الحجاز والشام فى طريقها الى وادى النيل، لكنها منذ ذلك التاريخ صارت منطقة تلجأ إليها القبائل، بعد أن توقف تقريباً سيل الهجرات العربية الى مصر فى عصر المماليك، حيث تم عزل العناصر العربية سياسياً ولم يعد هناك ما يدعو الحكام الجدد أن يستعينوا بالقبائل العربية فى الحكم حتى يشجعوا هجرتها الى مصر.
ويعد العصر المملوكى بداية لمرحلة من الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء نتيجة لتوقف موجات الهجرة العربية، والاهتمام الملحوظ بطريق الحج الى مكة و المدينة، فقام بيبرس البندقدارى "658 - 676 هـ 1260 - 1277م" بتمهيد طريق العقبة بعد فتح أيلة، فصار طريق السويس العقبة هو طريق الحج المصري. كما أمنوا الطريق الى الشام من غارات العربان لتأمين طريق البريد بين مصر والشام.
ونمت العريش فى العصر المملوكي، فقال عنها القلقشندى أنها "مدينة ذات جامعين مفترق "أى أنهما بعيدين عن بعضهما البعض" وثمار وفواكه"، لكن أصابها التدهور فى نهاية العصر المملوكي، حيث يذكر النابلسى خلال رحلته الى مصر فى تلك الفترة بأن العريش فيها "قلعة وزاوية، وبعض دور فناها خاوية".
إلا أن السلطان المملوكى قانصوة الغورى " 906 ـ 922هـ 1501 ـ 1516م" قد اهتم بإنشاء القلاع فى سيناء نظراً للأخطار التى كانت تحدق بدولته من ناحية الشرق وخاصة الخطر العثماني، ومن ثم انشأ قلعة نخل على طريق الحج المصرى وقلعة البغلة، ونقب العقبة.
وكان اهتمام الدولة المملوكية بسيناء يهدف الى تأمين حدود مصر الشرقية من الأخطار المحدقة بها ناحية الشرق، والتى كانت تتمثل حينذاك فى بقايا الوجود الصليبي، بالإضافة الى الخطر المغولي، كما حاولت من وراء إنشاء القلاع وترميمها على طريق الحج أن تظهر بمظهر الدولة التى تؤمن لرعاياها المسلمين آداء فريضتهم الدينية، حيث أن مثل هذا العمل يظهر السلاطين فى عيون رعاياهم بمظهر دينى يليق بالألقاب التى اتخذها بعضهم
تقع سيناء بين البحر المتوسط وخليج السويس وقناة السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة. وهى تربط أفريقيا بآسيا. ويحدها من الشرق فالق الوادى المتصدع الممتد من كينيا عبر القرن الأفريقى إلى جبال طوروس بتركيا. وهذا الفالق يتسع بمقدار 1 بوصة سنويا. و مساحتها 60,088 كم2 ويسكنها 380,000 نسمة.
قاعدتها العريش التى تنقسم فى الشمال والتيه فى الوسط والطور فى الجنوب حيث الجبال العالية أهمها جبل موسى 2,285 متر و جبل القديسة كاترينا 2,638 متر "أعلى جبال فى مصر" وفى هذا الجبال فى دير سانت كاترين وكنيسة غنية بالآثار والمخطوطات بناها جوستنيان عام 527. وتضم محافظتى شمال وجنوب سيناء.
لا شك أن الوضع الجغرافى لسيناء كان له تأثيره على التوزيع السكاني، بل من الملاحظ أنه كان له أيضا تأثير على الاسم الذى أخذته سيناء. فهناك خلاف بين المؤرخين حول أصل كلمة "سيناء"، فقد ذكر البعض أن معناها "الحجر" وقد أطلقت على سيناء لكثرة جبالها، بينما ذكر البعض الآخر أن اسمها فى الهيروغليفية القديمة "توشريت" أى أرض الجدب والعراء، وعرفت فى التوراة باسم "حوريب"، أى الخراب. لكن المتفق عليه أن اسم سيناء، الذى أطلق على الجزء الجنوبى من سيناء، مشتق من اسم الإله "سين" "إله القمر" فى بابل القديمة حيث انتشرت عبادته فى غرب آسيا وكان من بينها فلسطين، ثم وافقوا بينه وبين الإله "تحوت" "إله القمر المصري" الذى كان له شأن عظيم فى سيناء وكانت عبادته منتشرة فيها.. وبكلام آخر عرفت سيناء كأرض القمر. ومن خلال نقوش سرابيط الخادم والمغارة يتضح لنا أنه لم يكن هناك اسم خاص لسيناء، ولكن يشار إليها أحياناً بكلمة "بياوو" أى المناجم أو "بيا" فقط أى "المنجم"، وفى المصادر المصرية الأخرى من عصر الدولة الحديثة يشار الى سيناء باسم "خاست مفكات" وأحياناً "دومفكات" أى "مدرجات الفيروز".
أما كلمة الطور التى كانت تطلق على سيناء فى المصادر العربية، فهى كلمة أرامية تعنى "القمر"، وهذا يعنى أن طور سيناء تعنى "جبل القمر"، وكان قدماء المصريين يطلقون على أرض الطور اسم "ريثو" بينما يطلقون على البدو فى تلك المنطقة بصفة عامة اسم "عامو".
وقد ظل الغموض يكتنف تاريخ سيناء القديم حتى تمكن الباحثون عام 1905 من اكتشاف اثنى عشر نقشا عرفت "بالنقوش السينائية"، عليها أبجدية لم تكن معروفة فى ذلك الوقت، وفى بعض حروفها تشابه كبير مع الأبجدية الهيروغليفية، وظلت هذه النقوش لغزا حتى عام 1917 حين تمكن عالم المصريات جاردنر Gardinar من فك بعض رموز هذه الكتابة والتى أوضح أنها لم تكن سوى كتابات كنعانية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد من بقايا الحضارة الكنعانية القديمة فى سيناء.
والواضح أنه خلال الدولة القديمة كانت هناك صلة بين سيناء ووادى النيل، ولعبت سيناء فى ذلك التاريخ دورا مهما كما يتضح من نقوش وادى المغارة وسرابيط الخادم. فقد كانت سيناء بالفعل "منجما" للمواد الخام كالنحاس والفيروز الذى يستخرج المصريون القدماء ما يحتاجونه فى الصناعة، كما كان سكان شمال سيناء وهم "الهروشاتيو" "أى أسياد الرمال"، وجنوبها وهم " المونيتو" الذين ينسبون الى الجنس السامي، كانوا يشتغلون بالزراعة حول الآبار والينابيع، فيزرعون النخيل والتين والزيتون وحدائق الكروم، كما يشتغلون بحرف الرعى على العشب التناثر فى الصحراء، ويرتادون أسواق وادى النيل فيبيعون فيه ما عندهم من أصواف وعسل وصمغ وفحم ويستبدلونه بالحبوب والملابس، كما كانت الحملات الحربية تخرج من مصر فى بعض الأحيان لتأديب بعض البدو فى سيناء نتيجة الغارات التى كانوا يشنونها على الدلتا.
وتدل آثار سيناء القديمة على وجود طريق حربى قديم وهو طريق حورس الذى يقطع سيناء، وكان هذا الطريق يبدأ من القنطرة الحالية، ويتجه شمالاً فيمر على تل الحى ثم بير رومانة بالقرب من المحمدية، ومن قطية يتجه الى العريش، وتدل عليه بقايا القلاع القديمة كقلعة ثارو، ومكانها الآن "تل أبو سيفة"، وحصن "بوتو" سيتى الذى أنشأه الملك سيتى الأول، الذى يقع الآن فى منطقة قطية.
ولم تقتصر أهمية سيناء من الناحية التاريخية فى تلك الفترة على ما تسجله تلك النقوش، ولكن ارتبط اسمها أيضا بحادث مهم آخر، وهو أنها كانت مسرحا لحادث خروج بنى إسرائيل The Exidous من مصر وتجولهم فى صحراء سيناء. وبنو اسرائيل هم أبناء يعقوب، ابن ابراهيم الخليل عليه السلام، وهؤلاء لم يكونوا يهودا كما يزعم "الاسرائيليون" لانهم ظهروا كمجموعة بشرية قبل ظهور النبى موسى بأكثر من 006 سنة.
وخلال العصرين اليونانى والرومانى استمرت سيناء تلعب دورها التاريخي، فنشأت فيها العديد من المدن التى سارت على نمط المدن اليونانية، والتى كان أشهرها هى مدينة البتراء Petra، وهى مدينة حجرية حصينة فى وادى موسى، كانت مركزا للحضارة النبطية التى نسبت الى سكانها من الأنباط، وهناك خلاف كبير حول أصل الأنباط، والمرجح أنهم من أصول عربية نزحت من الحجاز، لأن أسماء ملوكهم كانوا ذوى أسماء عربية كالحارث وعبادة ومالك.
وقد استخدم النبطيون طرق التجارة، وعدنوا الفيروز فى وادى المغارة والنحاس فى وادى النصب، وكانوا يزورون الأماكن المقدسة فى جبلى موسى وسربال، كما سكن رهبان من البتراء دير سانت كاترين فى صدر العصر المسيحي، وكانت أبرشية فيران قبل بناء الدير تابعة لأبرشية البتراء.
كانت هناك حضارات مزدهرة فى سيناء خلال فترات التاريخ القديم، فكانت سيناء بمثابة منجم المعادن الذى مد حضارة مصر القديمة بما تحتاجه، ولم تكن تلك صحراء خالية من العمران. كما اتضح وجود صلات وثيقة بين سيناء ووادى النيل طوال تلك الفترة، ولم يكن هناك انفصال تاريخى بينهما، ويدل على ذلك تلك الآثار المصرية الموجودة على أرض سيناء. وإذا ما انتقلنا الى العصر الإسلامى نجد أن عمرو بن العاص حينما قدم الى مصر لفتحها قد سلك طريق حورس فى شمال سيناء، فاستولى على العريش، وتقدمت قواته ففتحت بولوزيوم أو الفرما، وبعدها تقدم الى بلبيس التى كانت نقطة مهمة على الطريق الذى يقطع سيناء الى الشام.
وخلال فترة الحروب الصليبية تعرضت سيناء لمحاولة الغزو من قبل الصليبين، حيث قام بلدوين الأول حاكم بيت المقدس الصليبى بالتوغل فى وادى عربة للسيطرة على المنطقة الواقعة جنوبى البحر الميت، ثم شيد سنة 1115م حصن الشوبك ليكون مركزاً يمكن للصليبيين من السيطرة على وادى عربة بأكمله.
وفى العام التالى " سنة 1116" خرج بلدوين فى حملة أخرى، وسار حتى أيلة على ساحل خليج، وشيد فى أيلة قلعة حصينة ليستطيع التحكم فى الطريق البرى للقوافل بين مصر و الشام. وتمكن بلدوين من تشييد قلعة فى جزيرة فرعون الواقعة فى مواجهة أيلة فى خليج العقبة.
وبذلك تمكن الصليبيون من الإشراف على شبه جزيرة سيناء التى أخذت تحرك فى قلوبهم ذكريات ومشاعر دينية عزيزة عليهم، لكن على الرغم من ذلك فإن رهبان دير سانت كاترين رفضوا استضافة بلدوين خشية انتقام الفاطميين فى القاهرة، مما جعل بلدوين ينصرف عائدا الى بيت المقدس. واستمر بلدوين فى استراتيجيته الرامية الى السيطرة على شبه جزيرة سيناء الطرق المؤدية إليها، فبنى قلعة وادى موسى فى عام 1117، وفى العام التالى خرج بلدوين بحملة عبر الطريق الشمالى الذى يمر بشمال سيناء، ووصل الى الفرما حيث أحرقها، وفى أثناء عودته أصيب بمرض، نتيجة تناوله لوجبة من السمك أدى الى وفاته، وحمل جثمانه الى القدس ليدفن بها.
وقد تعرضت العريش لهجوم الصليبيين فى عام 577هـ 1181م وقطعت أشجار نخيل سيناء وحمل الصليبيون جذوعها الى بلادهم لاستخدامها فى صناعة السفن المعروفة بـ"الجلاب" التى تصنع من جذوع النخيل، وذلك ضمن خطة رينالد من شاتيون حاكم حصن الكرك الصليبى للسيطرة على البحر الأحمر. إلا أن خطة رينالد فى السيطرة على سيناء والبحر الأحمر فشلت نتيجة الجهود التى قام بها الأيوبيون، وخاصة صلاح الدين الأيوبى فى وقف حملات رينالد فى البحر الأحمر و التى وصلت حتى عدن، و إسطول حسام الدين لؤلؤ، الذى دمر الإسطول الصليبي. وتغير مركز سيناء ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي، فقد رأيناها منذ الاحتلال الإسلامى مجرد قنطرة تعبرها القبائل المختلفة من بلاد الحجاز والشام فى طريقها الى وادى النيل، لكنها منذ ذلك التاريخ صارت منطقة تلجأ إليها القبائل، بعد أن توقف تقريباً سيل الهجرات العربية الى مصر فى عصر المماليك، حيث تم عزل العناصر العربية سياسياً ولم يعد هناك ما يدعو الحكام الجدد أن يستعينوا بالقبائل العربية فى الحكم حتى يشجعوا هجرتها الى مصر.
ويعد العصر المملوكى بداية لمرحلة من الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء نتيجة لتوقف موجات الهجرة العربية، والاهتمام الملحوظ بطريق الحج الى مكة و المدينة، فقام بيبرس البندقدارى "658 - 676 هـ 1260 - 1277م" بتمهيد طريق العقبة بعد فتح أيلة، فصار طريق السويس العقبة هو طريق الحج المصري. كما أمنوا الطريق الى الشام من غارات العربان لتأمين طريق البريد بين مصر والشام.
ونمت العريش فى العصر المملوكي، فقال عنها القلقشندى أنها "مدينة ذات جامعين مفترق "أى أنهما بعيدين عن بعضهما البعض" وثمار وفواكه"، لكن أصابها التدهور فى نهاية العصر المملوكي، حيث يذكر النابلسى خلال رحلته الى مصر فى تلك الفترة بأن العريش فيها "قلعة وزاوية، وبعض دور فناها خاوية".
إلا أن السلطان المملوكى قانصوة الغورى " 906 ـ 922هـ 1501 ـ 1516م" قد اهتم بإنشاء القلاع فى سيناء نظراً للأخطار التى كانت تحدق بدولته من ناحية الشرق وخاصة الخطر العثماني، ومن ثم انشأ قلعة نخل على طريق الحج المصرى وقلعة البغلة، ونقب العقبة.
وكان اهتمام الدولة المملوكية بسيناء يهدف الى تأمين حدود مصر الشرقية من الأخطار المحدقة بها ناحية الشرق، والتى كانت تتمثل حينذاك فى بقايا الوجود الصليبي، بالإضافة الى الخطر المغولي، كما حاولت من وراء إنشاء القلاع وترميمها على طريق الحج أن تظهر بمظهر الدولة التى تؤمن لرعاياها المسلمين آداء فريضتهم الدينية، حيث أن مثل هذا العمل يظهر السلاطين فى عيون رعاياهم بمظهر دينى يليق بالألقاب التى اتخذها بعضهم