الخميس، 10 يناير 2013

لدراسة الثامنة : القبائل العربية فى صحروات مصر , تاليف دى بوا-ايميه



هناك بعض القبائل التى لانت طبائعها بفعل سلام طويل , قد انتهى بها الامر ان هجرت الصحراء وانتشرت داخل مصر وانتقلت بشكل تدريجى من حالة البداوة الى حالة الزراعة , و كان فقدانها لحريتها المطلقة هو على الدوام النتيجة التى ترتبت على ذلك , و يقدم الصعيد مثالا قريبا على ما نقول , فقد كانت قبيلة الهوارة , و هى التى جاءت الى مصر من المناطق المجاورة لمدينة تونس بعد وقت قصير من هزيمة مصر على يد السلطان سليم , كانت هذه القبيلة قد استقرت فى الصعيد , و فى البداية اقامت على مشارف الصحراء , ثم استولت فيما بعد بواسطة القوة و المهارة الحربية على جزء كبير من مصر العليا , و دعمت وضعها هناك بدفع اتاوة الى حكومة القاهرة , و حين اصبح الهوارة من ثراء الملاك , كانوا قد فقدوا عادتهم الرعوية فاستبدلت بالخيام بيوتا و تحول الحب الطاغى للحرية الى حب للوطن .
و ظل هؤلاء العربان فى رخائهم يبدون اسعد حالا من قومهم فى الصحراء , حتى اعلن على بك عليهم الحرب بعد ان اثارت حفيظته قوتهم و طمع هو فى ثرواتهم , و كان ان هزمهم فى لقاءات عديدة , هكذا لم يعد بامكان هؤلاء العربان بعد ان فقدوا القدرة على احتمال الرمال الحارقة و على مكابدة صنوف الحرمان التى كانوا يعانون منها فى صحرائهم , لم يعد بامكانهم ان يفلتوا من سطوة المماليك .

و عدد القبائل الطليقة فى صحراوات مصر كبير و اليكم اسماء تلك القبائل التى تعرفت عليها اثناء اقامتى :

طرابين الكبرى – الطميلات – النفاحات – العبابدة – بلى – الهوارة – طرابين الصغرى – الجوابى ( الجوابيس ) – الهنادى – الزهيرات – محاز – بنى واصل – السمالو ( السمالوس ) – الفرجان – الترافع – العزيزى – بنى وافى .

و يفترض ان هذه القبائل تستطيع اذا ما تجمعت ان تضع تحت السلاح ما بين 30 – 40 الف فارس .

و على الرغم من الحروب العديدة و الاحقاد المتوارثة التى تقسم هذه العصب , فان علينا ان ننظر اليهم باعتبارهم يشكلون امة واحدة , فاصلهم المشترك و لغتهم و عاداتهم توضح ذلك بجلاء .

و لن اخذ على عاتقى هنا ان اقدم حكايات حروبهم و هزائمهم و معاهداتهم , و لن ادخل فى تفاصيل تاريخية عن الاحداث و الشخصيات الشهيرة , و انما ساكتفى بان ابين بعض الملامح التى قد تكون بذات نفع فى التعرف على تقاليدهم و حالتهم السياسية .

تنتمى كل القبائل الرحل التى استقرت فى مصر الى اصل عربى فيما عدا العبابدة , و اذا كان ثمة قبائل قد جاءت من جهة الغرب لتبدو و كانها قد حطمت هذه القاعدة فلابد ان نتذكر ان هذه القبائل عربية و انها ذهبت الى المغرب فى عهد الخلفاء الاول . و اغلب مزارعى مصر الذين يشار اليهم باسم : فلاحين ينتمون لاصل مشابه , و هم قد استقروا هناك كمنتصرين عندما اصبحت مصر جزءا من امبراطورية العرب و كونوا الجنس المسيطر , حتى اليوم الذى اتتقلت فيه مقاليد البلاد الى ايدى المماليك و الاتراك .

و ثمة اعتقاد راسخ لدى العرب و دعمه القران يجعل هؤلاء العرب ينحدرون من صلب اسماعيل ابن ابراهام ( ابراهيم ) الذى قال عنه الرب " سيكون رجلا فخورا , و رعويا وحشيا , سيرفع يده فى و جه الجميع وسيرفع الجميع ايديهم ضده , و سيرفع اعلامه امام كل اخوته , ساباركه و امنحه ذرية كبيرة و عديدة " ( سفر التكوين – التوراة ) و فى هذه اللوحة عن اسماعيل يتعرف المرء على البدو فالابناء لا يمكن لهم ان يشبهوا ابائهم باكثر مما يشبه العرب اسماعيل .

كل هذا يؤدى بنا ان ننسب الى العرب اصلا من اقدم الاصول , و ربما لا يوجد شعب يستطيع ان يتباهى بانه قد امكنه ان يحتفظ بملامحه القديمة باكثر مما امكن لهؤلاء العرب ان يفعلوا منذ العصور الضاربة فى القدم . و هؤلاء العرب مقسمين الى قبائل و خاضعين لشيخ العائلة و ساكنين تحت الخيام , يهيمون مع قطعانهم من ضفاف الفرات الى ضفاف النيل و من شواطئ المتوسط حتى الخليج الفارسي و بحر الهند , لم يغز ارضهم اجنبى و لم يغير من لغتهم او تقاليدهم غاز , و لكم ارادت امتان اكبر قوة و اكثر شهرة بسبب فتوحاتهما و هما الفرس و الرومان , ان تخضعا العرب لسيطرتهما بلا جدوى .
و لكن ما ان اصبح هؤلاء العرب فاتحين فى عهد الخلفاء حتى غطوا بجيوشهم شمال افريقيا , و اسبانيا , ووسط فرنسا , و سوريا , و فارس , و اسيا الصغرى , و عندما حدث ان طردوا وقت هزيمة كانوا يعرفون على الاقل و دائما كيف يحتفظون بوطنهم القديم .

و قد حدد الحب الابوى و الاحترام البنوى شكل حكومتهم , كما ان هاتين الرابطتين هما التا تربطان بين مجتمعهم , فكل اسرة تطيع من بينها هذا الشخص من افرادها الذى جذب لنفسه اكبر قدر من الاهتمام بفضل حكمته وقدراته و ثروته , و يكون هذا الشخص فى العادة رجلا مسنا و يتخذ لقب شيخ و معنى هذه الكلمة : العجوز او المسن .
و عندما لا تكون الاسرة كبيرة العدد لحد تستطيع معه حماية نفسها بنفسها , فانها تنضم الى اسرة اخرى , و يعطى اكبر الشيوخ نفوذا اسمه للقبيلة التى تشكلها هذه الاسر المتحدة , و يمارس عليها جميعا السلطة التى لم تكن له فى البداية الا على اهله , و سلطة هذا الشيخ جد محددة فيما يختص بالافراد , لكن نفوذه كبير فى الامور المتصلة بالصالح العام : فهو الذى يقرر السلام كما يقرر الحرب , و هو لا يتقاضى اى راتب عن وظيفته , و يتكون دخله من منتجات قطعانه , و من الزراعة الوقتية لبعض الاراضى , و من نصيبه من الاسلاب و ضريبة المكوس التى تدفعها القوافل التى تمر من ارض قبيلته .
و كلما اطلنا التفكير , كلما تبينت لنا قلة وسائل القهر فى حكومة المشايخ , حيث لا توجد فى مخيماتهم سجون يمكن ان يزج اليها بالبراءة الطليقة لتجاور الجريمة البشعة , كما ان ليست ثمة سراى يستطيع الحاكم فيها ان يخفى افعاله عن كل الانظار , و يمضى الشيخ العربى حياته فى الهواء الطلق بدون حرس و دون موكب , و يشهد على كل احاديثه , و كل افعاله جميع رجال القبيلة , فهو اذن لا يسنطيع ان يخفى شيئا عن رقابة الراى العام .

و عندما يتم السلام بين قبيلتين يتبادل الشيوخ الهدايا , و لهذه الرسميات سطوتها . و عندما يتعامل حكام اجانب مع العرب فانهم يعنون بالامتثال لهذا الامر . و من المعتاد كذلك فى مناسبة مماثلة ان ياكلوا معا و هو ما يسمى بتحالف او اتفاق الخبز والملح و هو امارة على صداقة لن تهدر . و ايا كانت مكانة الشخص الذى تلقى من عربى اقل طعام فانه سيكون واثقا انه سينال احترام كل القبيلة .
و لدينا على ذلك الوف الامثلة من الاسرى الذين اخذوهم منا اذ كانت تتوقف اساءة معاملتهم اياهم منذ اللحظة التى ياكلون فيها معهم , و اقرر فى هذا الخصوص واقعة سجلها المسيو دينون فى مؤلفه , و قد سمعت من يتحدثون عنها بعد قليل من حدوثها : منذ عدة اشهر طويلة كان لدى بعض العربان اسير هو ضابط فرنسى , و فجاة ظهرت احدى و حداتنا على مقربة من مخيماتهم , و تفرق العربان على الفور داخل الصحراء و قد اخزهم الفزع و اصبح كل ما يمتلكونه فريسة للمنتصر , ووجد شيخهم نفسه – بعد ان هام على وجهه – و حيدا مع اسيره وسط الصحراء و لم يعد معه سوى قطعة خبز هى كل طعامه , و لا بد ان قلبه كان مفعما بالنقمة على الفرنسيين , الذين تسببوا فى كل ما اصابه من الام , و مع ذلك فقد اقتسم مع ذلك الفرنسى الذى كان فى حوزته , قطعة الخبز الوحيدة التى بقيت له , و قال له : ربما ساحتاج اليها غدا , لكنى لا اتحمل لوم نفسى لنفسي لو تركتك تموت من الجوع لاضمن انا وجودى !

و قلما يقاتل العربى البدوى الا و هو يمتطى حصانه , و هو مسلح عادة بسيف بالغ القصر و خنجر و حربة طويلة كما يكون فى غالب الامر مسلحا برمح و كمية من الاسلحة التى يعلقها فى قوس سرجه , و فى بعض الاحيان يستعيض عن رمحه ببتدقية كبيرة يستخدمها بمهارة حتى عندما يعدو به حصانه .
و يصنع البدو بانفسهم البارود الذى يستخدمونه و هو ردئ , و تزيد فيه على الدوام نسبة الفحم بدرجة اكبر مما ينبغى , و ليست لديهم مدفعية