الجمعة، 18 يناير 2013

الجوهرة في نسب الامام علي

كلمة عجلى بسم الله الرحمن الرحيم نسخة فريدة في العالم، نادرة
ومهمة، جديرة بالدراسة والطلاع، هي " الجوهرة في نسب النبي وأصحابه
العشرة " للكاتب الأندلسي " محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى
الأنصاري التلمساني بالبري ". ومع اننا ذكرنا مدى أهمية الكتاب،
فإننا نعلن أسفنا حيال هذا المؤلف المجهول، الذي عانى الكثير حتى
انهى كتابه في الرواية والتراجم أكبر عناء. وكل ما نعرفه أنه ألف
كتابه وانتهى منه سنة 645 ه‍، وهو من سكان جزيرة منورقة في
الأندلس، عاش في أواسط القرن السابع الهجري، وأهدى كتابه الى أمير
الجزيزة الصغيرة " سعيد بن حكم بن عمر بن حكم القرشي أبو عثمان ".
وسبب ضياع ترجمة هذا الكاتب في نظرنا يرجع إلى انه عاش في مرحلة
كان العرب فيها ضعفاء، وإلى عاش في جزيرة صغيرة نائية لا يؤبه لها
في الأندلس، فعثرنا في كتاب كشف الظنون على اسم لهذا الكتاب، ولكن
------------------------------------------------------------------------
[ 6 ]
لمؤلف آخر هو " كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري " المتوفى
سنة 577 ه‍. وهذا مخالف لسنة تأليف الجوهرة المسجل في ختامها،
وللخط المغربي الصعب الذي لا يجيد المشارقة رسمه، ثم إن الكتاب
بخط، مؤلفه، وهي نسخته الخاصة. وقد رأينا ان نطبع الفصل الخاص
بالأمام علي وآله نظرا الى أهميته وانفصاله وتفصيله في نسبه ونسب
أبناه السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. على ان أنشعل بعد ذلك
بتحقيق الجوهرة الكاملة عن النسخة الوحيدة والفريدة. ولا نبعي من
أعمالنا هذه سوى مرضاة الله. حلب: 18 / 10 / 80 المحقق
------------------------------------------------------------------------
[ 7 ]
أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب، ابن عم
رسول الله صل الله عليه وسلم، القريب القرابة. وهو أول بالنبي عليه
السلام من الصبيان. قيل إنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، روى ذلك
نافع عن ابن عمر. وقيل إنه أسلم، وهو ابن عشر سنين، قاله ابن
اسحاق. وذكر أبو زيد عمر بن شبه قال: نا سريج بن النعمان قال: نا
الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر فقال: أسلم علي بن
أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا أصلح
ما قيل في ذلك. وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين. وروى شعبة عن
سلمة بن كهيل عن حبة العرني (1) قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من
صلى مع رسول الله صل الله عليه وسلم. وقال
------------------------------------------------------------------------
(1) هو حبة بن جوين ثم العرني، أبو قدامة. كوفي من أصحاب علي.
روى حديث غدير خم، وكان يومئذ مشركا. أسد الغابة 1 / 363 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 8 ]
زيد بن أرقم (1): أول من آمن بالله بعد رسول الله صل الله عليه
وسلم علي بن أبي طالب. وعن أنس بن مالك قال: استنبئ النبي عليه
السلام يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثلاء. وروى سفيان الثوري عن
سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر (2)، عن عليم
الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب ". وحدث عبد
العزيز بن محمد الدراوردي قال: حدثنى عمر مولى غفرة قال: سئل محمد
بن كعب القرظي (2) عن أول من أسلم علي أو أبو بكر. قال: سبحان الله
علي أولهما إسلاما !. وعن معاذة بنت عبد الله العدوية (3) قالت:
سمعت علي بن أبي طالب
------------------------------------------------------------------------
(1) هو زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان الأنصاري الخزرجي،
أبو سعيد. صحابي غزا مع رسول الله سبع عشرة غزوة، وقد استصغره
يوم أحد، وكان يتيما في حجر عبد الله بن رواحة، وسار معه في غزوة
مؤتة. روى سبعين حديثا. نزل الكوفة وتوفي بها سنة ست وخمسين،
وقيل سته ثمان وستين. تهذيب الأسماء: 1 / 199 (2) ذكر حنش بن
المعتمر في الصحابة، ولا يصح حديثه. ذكر أبن الأثير ذلك في أسد
الغابة: 2 / 55 (3) منسوب الى بني قريظه الطائفة اليهودية
المعروفة. وهو تابعي جليل، أبو حمزة. كان أبوه من سبي قريظة. سكن
محمد الكوفة ثم عاد إلى المدينة. وقد ولد في حياة رسول الله.
وسمع ابن عباس وزيد بن أرقم ومعاوية. وروى عن كثير من الصحابة،
وروى عنه آخرون. توفي سنة 108 ه‍، وقيل بعد ذلك. تهذيب الأسماء:
1 / 90 (4) تكن معاذة أم الصهباء. وهي امراة فاضلة من العالمات
بالحديث من أهل البصرة. روت عن علي وعائشة. وروى عنها عاصم
جماعة. توفيت سنة 83 ه‍. رغبة الأمل: 8 / 184 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 9 ]
على منبر البصرة وهو يقول: " أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل ان يؤمن
أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم ". وروى ابراهيم بن سعيد الزهري عن
ابن اسحاق، قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث، عن اسماعيل بن إياس بن
عفيف الكندي، عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرا تاجرا. فقدمت الحج،
فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرا
تاجرا. فوالله إني لعنده إذ خرج رجل من خباء في بيت، فنظر إلى
الشمس، فلما رآها قد مالت قام يصلي. قال: ثم خرجت امرأة من ذلك
الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلقه تصلي. ثم خرج غلام حين
راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي. فقلت للعباس: من هذا يا
عباس ؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. قلت: من
هذه المرأة ؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد. قلت: من هذا الفتى
؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه. قلت: ما هذا الذي يصنع ؟ قال:
يصلي. وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه
هذا الغالم. وهو يزعم أنه ستفتح عليه إمره إلا امرأته وابن عمه هذا
الغلام. وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. فكان عفيف يقول،
وقد أسلم بعد ذلك، وقد حسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام
يومئذ بعد ذلك، وقد حسن إسلامه: لو كان الله رزقيي الإسلام يومئذ
فأكون ثانيا مع على. وقال مجاهد بن جبر أبو الحجاج (1): كان من
نعمة الله
------------------------------------------------------------------------
(1) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم. تابعي من
أهل مكة. أخذ التفسير عن ابن عباس، وتنقل في اساره ثم استقر في
الكوفة. مات وهو ساجد سنة 104. انفرد أبو زكرياء النووي الأسماء
في أن جعل أباه " جبيرا " بالتصغير، وهذا ما لم يرد في المخطوطة
وفي أغلب المراجع. طبقات الفقهاء: 45
------------------------------------------------------------------------
[ 10 ]
تعالى على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله تعالى له، وأراد به من
الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة. وكان أبو طالب ذا عيال كثير.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه، وكان من أيسر بني
هاشم: " يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما
ترى من هذه الأرمة. فانطلق بنا إليه، فلنحفف من عياله. آخذ من بنيه
رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكفهما عنه ". قال العباس: نعم. فانطلقا
حتى أتيا أبا طالب: فقالا له: إنا نريد ان نخفف عنك من عيالك، حتى
ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي
عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا
فضمه إليه. وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه. فلم يزل علي مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا، فأتبعه علي، وآمن به
وصدقه. ولم يزل جعفر العباس حتى أسلم علي، وآمن به وصدقه. ولم يزل
جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه. وذكر ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم في أول الإسلام كان إذا حضرته الصلاة خرج إلى شعاب مكة،
وخرج معه علي ابن أبي طالب مستخفيا من عمه أبي طالب ومن جميع
أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها. فإذا أمسيا رجعا فمكثا
كذلك ما شاء الله تعالى أن بمكثا. ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما،
وهما يصليان. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أخي، هذا
الدين الذي أراك تدين به ؟ قال: " أي عم، هذا دين الله ودين
ملائكته ودين رسله ودين أبينا ابراهيم ". أو كما قال صلى الله عليه
------------------------------------------------------------------------
[ 11 ]
وسلم: " بعثني الله به رسولا إلى العباد. وأنت أي عم أحق من بذلك
له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه
"، أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا أستطيع ان افارق
دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشئ تكرهه ما
بقيت. وقال لعلي بن أبي طالب: أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه
؟ فقال: يا أبت، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقته بما
جاء به، وصليت معه لله تعالى، وأتبعته. فزعموا أنه قال له: أما إنه
لم يدعك إلا إلى خير فالزمه. وروى سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين
قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: " لقد عبدت الله قبل ان يعبده
أحد من هذه الأمامة خمس سنين ". ولما دبرت قريش في دار الندوة في
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بيسير ما دبرت، وأرادؤا
المكر به، ومعهم إبليس في صورة شيخ نجدي، أتى جبريل رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت
عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى
ينام، فيثبون عليه. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم
قال لعلي بن أبي طالب: " نم على فراشي، وتسج بردي هذا الحضرمي
الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم. قال محمد بن كعب
القرظي: اجتمعوا له وفيهم أبو جهل
------------------------------------------------------------------------
[ 12 ]
بن هشام فقال، وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على
أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم
جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان لكم فيه ذبح، ثم بعثتم من
بعد موتكم، فجعلت لك نار تحرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: " نعم، أنا
أقول ذلك، أنت أحدهم ". وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا
يرونه. فجعل ينثو (1) ذلك التراب على رؤوسهم، وهو يتلو هؤلاء
الآيات من يس: (يس، والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين). إلى قوله
تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا
يبصرون) (2). حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء
الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا. ثم انصرف
إلى حيث أراد. فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا
؟ قالوا: محمد. قال: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما
ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته. أفما
ترون ما بكم ؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه
تراب. ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، عليه
برده. قال: فلم يبرحوا كذلك حتى اصبحوا. فقام علي عن الفراش.
فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا. وكان مما انزل الله
تعالى من القرآن في ذلك اليوم، وما
------------------------------------------------------------------------
(1) ينئو التراب: يفرقه. (2) سورة يس: 36 / الاية: 1 - 10
------------------------------------------------------------------------
[ 13 ]
كانوا اجمعوا له من المكر بالنبي عليه السلام: (وإذ يمكر بك الذين
گفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله، والله خير
الماكرين) (1). ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى
المدينة أقام علي بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه
وسلم، فنزل معه على كلثوم بن هدم الأوسي (2). وأجمع رواة الآثار
على آن عليا صلى القبلتين، وهاجر، وشهد بدرا والحديبية وسائر
المشاهد، وأنه أبلى ببدر وبأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأنه
أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم. وكان لواء رسول
الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة. وكان يوم بدر بيده
على اختلاف في ذلك. ولما قتل مصعب بن عمير (3) يوم أحد، وكان
اللواء بيده
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الأنفال: 8 / الآية: 29. (2) ذكر ابن الأثير أنه ابن
هرم بن امرئ القيس بنى الحارث.. ابن أوس الأنصاري الأوسي، بينما
ضبطه مؤلف الجوهرة بالدال الساكنة. كان يسكن قباء ويعرف بصاحب
رسول الله. وكان شيخا كبيرا، أسلم قبل وصول رسول الله إلى
المدينة. وهو الذي نزل عليه رسول الله بقباء. وأقام عنده أربعة
أيام، ثم خرج الى أبي أيوب الأنصاري. قيل إنه أول من مات من
صحابة رسول الله بعد قدومه المدينة، ولم يدوك شيئا من مشاهده.
وقيل توفي قبل بدر بيسير. أسد الغابة: 4 / 253 (3) مصعب بن عمير
بن هاشم بن عبد مناف، أبو عبد الله. من فضلاء الصحابة وخارهم،
ومن السابقين إلى الإسلام. أسلم ورسول الله في دار الأرقم. وكتم
إسلامه خوقا من أمه وأبيه. وحين علما به حبساه إلى أن هاجر الى
الحبشة، بعثه رسول = (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 14 ]
دفعه رسول الله صلى الله وسلم عليه وسلم إلى علي: وشهد بدرا وهو
ابن خمس وعشرين سنة، قاله ابن اسحاق. وذكر ابن السراج في تاريخه عن
مقسم، عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية
يوم بدر إلى علي، وهو ابن عشرين سنة. ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول
الله صلى الله عليه وسلم مذ قدم إلى المدينة إلا في غزوة تبوك،
خلفه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عياله، وقال له: " أنت
مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ". وروي قوله عليه
السلام لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " جماعة من الصحابة،
وهو من أثبت الآثار وأصحها. رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: سعد
بن أبي وقاص، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا، وقد ذكرها ابن أبي
خيثمة (1) وغيره. ورواه جابر بن عبد الله، وأسماء بنت عميس (2)،
وابن عباس، وأبو سعيد
------------------------------------------------------------------------
= الله مع الاثني عشر أهل العقبة الثانية ليفقه أهل المدينة
ويقرئهم القرآن. وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة. أسلم على يديه
سعد بن معاذ. شهد بدرا واستشهد بأحد وكان عمره أربعين سنة. وزوجه
حمنة بنت جحش. تهذيب الأسماء: 1 / 97 (1) اسمه أحمد بن زهير بن
حرب النسائي ثم البغدادي، أبو بكر. وهو مؤرخ من حفاظ الحديث ومن
رواة الآدب. مولده ووفاته ببغداد (189 - 279) الأعلام: 1 / 123
(2) أسماء بنت عميس، امرأة أبي بكر، وأمها هند بنت عوف. كانت تحت
جعفر بن أبي طالب، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ثم قتل عنها يوم
مؤتة، فتزوجها أبو بكر، فصات عنها ثم تزوجها على. وولدت لجعفر
عند الله ومحمدا وعونا. وولدت لأبي بكر (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 15 ]
الخدري، وأم سلمة. الترمذي: حدثنا القاسم بن دينار الكوفي: نا أبو
نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب،
عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت
مني بمنزلة هارون من موسى ". قال: هذا حديث حسن صحيح. الترمذي:
حدثنا محمود بن غيلان: نا أبو أحمد الزبيري: نا شريك عن عبد الله
بن محمود بن غيلان: نا أبو أحمد الزبيري: نا شريك عن عبد الله بن
محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي "
وحدت يحيى بن معين (1) قال: نا مروان بن معاوية الفزاري، عن موسى
الجهني، عن فاطمة بنت علي قالت: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون
من موسى، الا
------------------------------------------------------------------------
= محمدا، وولدت لعلي يحيى. وروى عنها بعض الصحابة كعمر وأبي موسى
الأشعري وابن عباس. وهي أخت ميمونة زوج النبي أسلمت قبل دخول
رسول الله دار الأرقم بمكة، وبايعت رسول الله. توفيت نحو 40 ه‍.
تهذيب الأسماء: 1 / 330 (1) يحيى بن معين بن عون بن زياد، أبو
زكرياء، مولى بني مرة غطفان. أصله من الأنبار، وإمام الحديث في
زمانه. كان إماما ربانيا عالما حافظا ثبتا. يقول عنه ابن حنبل:
كل حديث لا يعرفه يحى ليس بحديث. توفي بالمدينة وغسل على السرير
الذي غسل عليه رسول الله، ودفن بالبقيع، ورثاه الشعراء سنة 234،
وله من العمر سبع وسبعون سنة. تهذيب الأسماء: 1 / 159 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 16 ]
أنه ليس بعدي نبي ". وتزوج علي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم في صفر في العام الثاني من الهجرة، وابتنى بها في ذي الحجة من
آخر العام. وروي أنه مهرها درعه، إذ لم يكن له في ذلك الوقت صفراء
ولا بيضاء. وقيل إن عليا رحمه الله، تزوج فاطمة على أربع مئة
وثمانين درهما. فأمره النبي عليه السلام أن يجعل ثلثها في الطيب.
وقيل إن عليا قدم الدرع من اجل الدخول بأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم إياه بذلك. وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة
اشهر ونصفا. وكانت سن علي، رحمه الله، يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة
أشهر. وقالت عائشة، رضي الله عنها: ما رأيت أحدا كان اشبة برسول
الله صلى الله عليه وسلم كلاما وحديثا من فاطمة ابنتة. وكان يحبها
حبا شديدا. وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، وقبل بين عينيها ورحب
بها وأجلسها في مجلسه. كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن السراج محمد بن اسحاق بن ابراهيم أبو العباس: حدثنا محمد
بن حميد: نا سلمة عن ابن اسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن
عائشة، قالت: ما رأيت أحدا أصدق لهجة من فاطمة. إلا ان يكون الذي
ولدها صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن السراج أيضا: نا محمد بن عبد
الأعلى قال: نا عبد الرزاق عن معمر، عن قتاده، عن أنس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسبك من تساء العالمين مريم
------------------------------------------------------------------------
[ 17 ]
بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون ".
وروى عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي
عليه السلام: " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت
عمران ". وذكر ابن السراج قال: نا محمد بن الصباح قال: نا علي ابن
هاشم عن كثير النواء عن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم
عاد فاطمة، وهي مريضة فقال لها: " كيف تجدينك يا بنية ؟ " قالت:
إني وجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله. فقال: يا بنية، أما
ترضين إنك سيدة نساء العالمين ؟ فقالت: يا أبت، فأين مريم بنت
عمران ؟ قال: " تلك سيدة نساء العالمين ؟ فقالت: يا أبت، فأين مريم
بنت عمران ؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك.
أما والله، لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة ". ابن السراج بسنده
عن جميح بن عمير قال: دخلت على عائشة فسئلت: أي الناس كان أحب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: فاطمة. قلت: فمن الرجال ؟
قالت: زوجها، إن كان ما علمتة صواما قواما. مسلم: حدثني زهير بن
حرب قال: نا يعقوب بن ابراهيم قال: نا أبي عن أبيه ان عروة بن
الزبير حدثه أن عائشة، رضوان الله عليها، حدثته أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته، رضي الله عنها، فسارها، فبكت. ثم
سارها، فضحكت. فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، ثم سارك به فضحكت ؟
------------------------------------------------------------------------
[ 18 ]
قالت: سارني فأخبرني بموته فبكيت. ثم سارني فأخبرني أني أول من
يتبعه من أهله فضحكت. وتوفيت فاطمة بعد موت رسول الله صلى الله
عليه وسلم بسبعين ليلة. قاله ابن بريدة عن أبيه. وقال عمرو بن
دينار: توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية
أشهر. وقيل: توفيت بعده بستة اشهر، وهو قول اكثر أصحاب التواريخ
والأثار، وقاله مسلم في الصحيح، وقال ذلك محمد بن علي أبو جعفر
الباقر وابن هشام. وقال محمد بم عمر الواقدي: حدثنا معمر عن
الزهري، عن عروة، عن عائشة، قال: وأخبرنا ابن جريح عن الزهري، عن
عروة، عن عائشة أن فاطمة توفيت بعد النبي عليه السلام بسته أشهر.
قال: محمد بن عمرو: هو الثبت عندنا. وقال المدائني: ماتت فاطمة
ليلة الثلاثاء خلون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع
وعسرين سنة. ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وصلى عليها العباس. وقال
عبد الله ابن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب: بلغت فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة. وقيل: صلى عليها علي، وهو
الذي غسلها مع أسماء بنت عميس، ودفنت ليلا. ودخل قبرها العباس وعلي
والفضل وهي أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام. إذ حكت لها
أسماء بنت عميس ما يصنع للمرأة إذا ماتت بأرض الحبشة، فأمرتها أن
تصنع ذلك لها. وكذلك صنع بزينب بنت جحش زوج النبي عليه السلام. ولم
يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنية غيرها.
------------------------------------------------------------------------
[ 19 ]
ويروى أن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، لما رأى فاطمة، رضي الله
عنها، مسبجاة بثوبها بكى حتى رثي له. ثم قال: لكل اجتماع من خليلين
فرقه * وإن دون الممات قليل وإن افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على
أن لا يدوم خليل " طويل " وولدت فاطمة لعلي رضي الله عنهما: الحسن،
والحسين، ومحسنا درج صغيرا، وأم كلثوم الكبرى أم زيد بن عمر بن
الخطاب (1)، وقد تقدم ذكرها، وزينب الكبرى وكانت عند عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب (2)، فولدت له جعفرا الأكبر، وعليا، وعونا
الأكبر، وعباسا، أم كلثوم.
------------------------------------------------------------------------
(1) ولدت أم كلثوم قبل وفاة رسول الله، وخطبها عمر بن الخطاب إلى
أبيها علي، فقال له إنها صغيرة. فقال عمر: زوجنيها يا أبا الحسن،
فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فتزوجها على مهر أربعين
ألفا. فولدت له زيد بن عمر الأكبر ورقيه. توفيت أم كلثوم وابنها
زيد في وقت واحد، وصلى عليهما عبد الله بن عمر. أسد الغابة: 5 /
614 (2) جعفر أكبر من أخيه علي بعشر سنين. كان آية الكرم وغاية
النجدة. لقبه ذو الجناحين، لأنه قطعت يداه في حرب مؤته، وقال
لرسول الله إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث
شاء. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 20 ]
الحسن بن علي رضي الله عنهما. ولدت فاطمة الحسن للنصف من شهر رمضان
سنة ثلاث من الهجرة قبل وقعة أحد بشهر، هذا أصح ما قيل في ذلك إن
شاء الله. وعق عنه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعه
بكبش، رأسه، وأمر أن يتصدق بزنته فضة. مالك عن جعفر بن محمد عن
أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر
حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة. مالك عن جعفر بن
محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بزتة ذلك فضة. وقال
ابن الجارود: حدثنا أبو بكر محمد بن اسحاق
------------------------------------------------------------------------
(1) عق بكبش: القعة: شعر كل مولود لأنه يشق الجلد. والعقيقة
الجلد. والعقيقة: اشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عند حلق
شعره. ومن عادة العرب أن يزنوا شعر الطفل فضة أو ذهبا ويوزعوه. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 21 ]
الصاغاني قال: نا محمد بن عمر القصباني قال: نا عبد الوارث عن
أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن
الحسن والحسين كبشا كبشا، عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا. محمد بن
اسحاق أبو بكر الصاغاني شيخ ابن الجارود خرج عنه مسلم. قال ابن أبي
حاتم: سمعت منه مع أبي وهو ثبت صودق. وكان الحسن من المشبهين برسول
الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قثم بن العباس وجعفر بن أبي طالب.
الترمذي بسنده عن علي قال: الحسن أشبه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما بين الصدر ألى الرأس، والحسين أشبه النبي صلى الله عليه
وسلم ما كان أسفل من ذلك. الترمذي: نا محمد بن يحيى، نا عبد الرزق
عن معمر عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: لم يكن منهم أحد أشبه
برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي. قال: هذا حديث حسن
صحيح. وقال: نا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن أبي
خالد، عن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان
الحسن بن علي يشبهه. هذا حديث حسن صحيح. قال النبي صلى الله عليه
وسلم: " حسن مني وحسين من علي ". وقال عليه السلام: " الحسن
والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ". وقال صلى الله
عليه وسلم في الجنة، وأبوهما خير منهما ". وقال صلى الله عليه وسلم
في الحسن: " إن أبني هذا سيد. وسيصلح الله على يده بين فئتين
عظيمتين من المسلمين ". وفي حديث آخر أن " ابني هذا سيد، وعسى الله
أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمين من المسليمن ". رواه جماعة
من الصباحة. وفي حديث أبي بكرة
------------------------------------------------------------------------
[ 22 ]
في ذلك: " وإنه ريحانتي من الدنيا ". ولا أسود ممن سماه رسول الله
صلى الله عليه وسلم سيدا. وتصارع الحسن والحسين يوما بين يدي البي
صلى الله عليه وسلم، فجعل عليه السلام يقول: " إيه يا حسن، إيه يا
حسن ". فقالت له فاطمة: يا رسول الله، أتحرض الكبير على الصغير ؟
فقال: " يا فاطمة، هذا جبريل يقول يا حسين، إيه يا حسين ". وكان
معاوية، وهو خليفة، إذا دخل عليه الحسن يعظمه ويجله ويجلسه معه على
سريره، ويقول له: يا أبا محمد، كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا رأيتك لشبهك به. وحق لمعاوية أن يصنع به هذا الصنع
الجميل، وما هو أعز منه وأكرم، ففعل رسول الله عليه وسلم به أكبر
وأعظم. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة من
الصلوات، فركب الحسن على ظهره، فأطال السجود. قال بعض الصحابة:
فرفعت رأسي من السجود، لأنظر ما شأن رسول الله. فرأيت الحسن على
ظهره، فرجعت إلى السجود. فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة قيل:
يا رسول الله، إنك سجدت سجدة في هذه الصلاة فأطلتها. فقال: " إن
البني استرحليي فكرهت أن إعجله ". وحدث أبو عبد الرحمن أحمد بن
شعيب النسائي في مصنفه قال: نا محمد بن عبد العزيز بن غزوان، وهو
ابن أبي رزمة قال: نا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عبد الله
بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجأة
------------------------------------------------------------------------
[ 23 ]
الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران فيهما. فنزل النبي
صلى الله عليه وسلم فقطع كلامة، فحملها فيها. فنزل المنبر. ثم قال:
" صدق الله: (أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين يعثران في قميصهما،
فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما ". وخرج هذا الحديث الترمذي عن
الحسن بن حريث عن علي بن حسين بن واقد، عن أبيه. وخرجه أيضا الحافظ
أبو نعيم الأصبهاني في كتاب: " رياضة المتعلمين ". فقال: حدثنا
محمد بن أحمد بن حمدان: نا الحسن بن سفيان: نا أبو بكر بن أبي
شيبة: نا زيد بن حباب عن حسين بن واقد. ومدار هذا الحديث على حسين
بن واقد، عن عبد الله بن بريدة. مسلم: عن أبي هريرة أن الأقرع بن
حابس (1) أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن بن علي رضي
الله عنه فقال: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت واحدا منهم !. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من لا يرحم لا يرحم ". مسلم:
حدثنا أبن أبي عمر قال: نا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن
نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي هريرة قال: خرجت مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء
سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة. فقال: " أثم لكع،
أثم لكع ؟ " يعني حسنا. فظننا أنه
------------------------------------------------------------------------
(1) هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد... بن زيد مناة التيمي.
شهد مع رسول الله فتح مكة وحنينا وحصار الطائف. وشهد مع خالد فتح
العراق والأنبار. اسمه فراس، ولقب الأقرع بقرع كان في رأسه. وكان
شريفا في الجاهلية والإسلام. تهذيب الأسماء: 1 / 125 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 24 ]
إنما تحسبه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا (1). فلم يلبث أن جاء يسعى
حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه ". وخرج هذا الحديث
البخاري. مسلم: حدثني عبد الله بن الرومي اليمامي وعباس بن عبد
العظيم العنبري قالا: نا النضر بن محمد قال: نا عكرمة، وهو ابن
عمار قال: نا إياس عن أبيه قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه
وسلم والحسن والحسين على بغلته الشهباء. حتى إذا أدخلتهم حجرة
النبي صلى الله عليه [ وسلم ] هذا قدامه وهذا خلفه. إياس الذي روى
عنه عكرمة بن عمار هذا الحديث هو إياس بن سلمة بن الأكوع الأسلمي،
وأبوه سلمة من كبار الصحابة. شهد بيعة الرضوان، ويظهر منه في غزوة
ذي قرد الفعل الكريم والغناء العظيم. وقد ذكرتهما قبل في " أسلم "
من خزاعة. الترمذي: حدثنا محمد بن بشار: نا أبو عامر العقدي: نا
رمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن بن علي عل عاتقه. فقال
رجل: نعم المركب ركبت يا غلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "
ونعم الراكب هو ". وقال: حدثنا محمد بن بشار: نا محمد بن جعفر: نا
شعبة عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازب يقول: رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن بن علي على عاتقه، وهو يقول: "
اللهم إني أحبه فأحبه ". وخرج مسلم هذا
------------------------------------------------------------------------
(1) السخاب: القلادة. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 25 ]
الحديث بسنده ونصه. الترمذي: عن أسامة بن زيد قال: طرقت النبي صلى
الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة. فخرج النبي صلى الله عليه
وسلم، وهو مشتمل على شئ لا أدري ما هو. فلما فرغت من حاجتي قلت: ما
هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه، فإذا حسن وحسين عليهما السلام
على وركيه. فقال: " هذان ابناي وابنا ابنتي. اللهم اني أحبهما ".
وحفظ الحسن عن النبي صلى الله عليه أحاديث، وروها عنه. منها حديث
الدعاء في القنوت. ومنها: " إنا آل محمد لا تجل لنا الصدقة ". وكان
الحسن رضي الله عنه محبا في النساء، كثير النكاح، كثير الطلاق.
وكان علي يستحبي من أصهار الحسن، فخطب الناس، وقال: إن حسنا مطلاق
فلا تنكحوه. فقام إليه رجل من همدان، فقال: يا أمير المؤمنين:
والله لننكحنه فيمسك من شاء ويطلق من شاء. فقال علي، وقد سر بقول
الهمداني: لهمدان أخلاق ودين يزينهم * وبأس إذا لاقوا وحسن كلام
فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان: ادخلوا بسلام وكان علي،
رضي الله عنه، محبا في همدان. وقال يوم الجمل في بطن منهم، وهم بنو
ربيعة بن مالك بن معاوية بن صعب بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان
بن نوف بن همدان: " لو تمت عدتهم ألفا لعبد الله حق عبادته ". وكان
إذا رآهم تمثل بقول الشاعر: ناديت همدان والأبواب مغلقة * ومثل
همدان سنى فتحه الباب
------------------------------------------------------------------------
[ 26 ]
كالهندواني ثم تفلل مضاربه * وجه جميل وقلب غير وجاب وولي الحسن
بعد موت علي عليهما السلام لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين،
وصالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. وقد قيل: في
جمادي الأولى من هذه السنة، ويسمى عام صلحه مع معاوية " عام
الجماعة ". فكانت خلافته ستة أشهر، تمت بها ثلاثون سنة للخلافة.
روى " سفينة " (1) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تعود ملكا
". ولما بويع الحسن سار إلى معاوية بجنود العراق، وسار إليه معاوية
بأهل الشام، فالتقوا بموضع يقال له: " مسكن " (2) بأرض الكوفة،
فأصلحوا. وسلم السحن إليه الخلافة. واشترط عليه شروطا، منها أن
يذهب ما بين أهل العراق وبين أهل الشام من الذحول (3) والضغائن،
وأن يكون له الأمر من بهده. فرضي معاوية كل ما اشترط عليه الحسن،
وكاد يطير فرحا.
------------------------------------------------------------------------
(1) سفينة: مولى رسول الله، وهذا لقبه، واسمه " مهران " وقيل غير
ذلك، وكنيته أبو عبد الرحمن، لقبه، رسول الله سفينة. كان يسكن
بطن نخلة، وهو من مولدي العرب، وقيل: من أبناء فارس. خدم النبي
عشر سنين، وروى أربعة عشر حديثا. تهذيب السماء: 1 / 226 (2)
مسكن: موضع قريب من أوانا على نهر دجيل. كانت فيه الوقعة بين عبد
الملك بن مروان ومصعب بن الزيبر سنة 72 ه‍، فقتل مصعب. وقبره
هناك معروف. معجم البلدان: مادة مسكن. (3) الذحول: مفردها الذحول
وهو الثأر. تقول: لي عند هم ذحول أي ثارات.
------------------------------------------------------------------------
[ 27 ]
البخاري: نا عبد الله بن محمد: نا سفيان عن أبي موسى قال: سمعت
الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان
بكتائب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي
حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية: وكان والله خير الرجلين. أي
عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس ؟ من لي
بنسائهم ؟ من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد
شمس: عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله ابن عامر. فقال: إذهبا إلى هذا
الرجل، فأعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه. فأتياه، فدخلا عليه،
فتكلما. وقالا له: وطلبا إليه. فقال لهم (كذا) الحسن ابن علي: " "
إنا بنو عبد المطلب، قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت
في دمائها ". قالا له: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك
ويسألك. قال: فمن لي بهذا ؟ قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئا إلا
قالا: نحن لك به. فصالحه. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى
جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخري، ويقول: " إن ابني هذا
سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". قال
البخاري: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت عندنا سماع الحسن من
أبي بكرة بهذا الحديث. وحدث أحمد بن زهير، وهو أبو بكر بن أبي
خيثمة قال:
------------------------------------------------------------------------
[ 28 ]
نا هارون بن معروف: نا ضمرة، عن ابن شوذب قال: لما قتل علي سار
الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق. وسار معاوية في أهل الشام
قال: فالتقوا. فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن يجعل العهد
للحسن من بهده. قال: فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين.
فيقول: العار خير من النار. ودخل على الحسن بعض شيعة أبيه الناصحين
له فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، بايعت معاوية ومعك أربعون
ألف سيف من أهل العراق. فقال: اجلس يا بن فلان، لا تقل كذلك. إن
أبي عهد إلي أنه لا بد لمعاوية أن يلي هذا الأمر. فلو قاتلناه
بالشجر والحصى والجندل لم ينفعنا ذلك. وقد سبق القضاء والقدر
بولايته. ولما خرج ذلك الرجل من عند الحسن دخل على الحسين فقال:
امدد يدك نبايعك. فقال له الحسين: أما ما دام أبو محمد حيا فلا:
وكان الحسن يكنى أبا محمد، والحسين يكنى أبا عبد الله. وذكر أبو
عمر بن عبد البر في كتاب " الصحابة " فقال: نا خلف بن قاسم قال: نا
عبد الله بن عمر بن اسحاق بن معمر قال: نا أحمد بن محمد بن الحجاج
بن رشدين قال: حدثني عمرو بن خالد مرارا قال: حدثني زهير بن معاوية
الجعفي قال: حدثني أبو روق الهمداني أن أبا الغريف حدثهم قال: كنا
في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر الفا بمسكن مستميتين، تقطر أسافنا
من الجد والحرص على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العمر طه
------------------------------------------------------------------------
[ 29 ]
فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كانما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن.
فلما جاء الحسن الكوفة جاءه شيخ يكنى أبا عامر شفيق بن ليلى. فقال:
السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل يا أبا عامر، فإني لم
أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك. وحدث ابن وهب
قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: لما دخل معاوية الكوفة
حين سلم إليه الأمر الحسن ابن علي كلم عمرو بن العاصي معاوية أن
يأمر الحسن بن علي فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية وقال: لا حاجة بنا
إلى ذلك. قال عمرو: ولكني أريد ذلك ليبدو عيه، فإنه لا يدري هذه
الأمور ما هي. ولم يزل بعاوية حتى أمر الحسن يخطب. وقال له: قم يا
حسن، فكلم الناس فيما جرى بيننا. فقام الحسن، فتشهد وحمد الله
وأثنى عليه وقال في بديهته: " أما بعد أيها الناس، فإن الله هذاكم
بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا. وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول. وإن
الله عز وجل يقول: (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون، إنه يعلم
الجهر من القول، ويعلم ما تكتمون، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع
إلى حين) (1) فلما قالها. قال له معاويد: إجلس فجلس. ثم قام معاوية
فخطب الناس. ثم قال لعمرو: هذا من رأيك. وروى مجالد بن سعيد عن
الشعبي قال: لما جرى الصلح
------------------------------------------------------------------------
[ 30 ]
بين الحسن بن علي وبين معاوية. قال له معاوية: قم فاخطب الناس
واذكر ما كنت فيه. فقام الحسن، فخطب. فقال " الحمد لله الذي هدى
بنا أولكم، وحقن بنا دماء آخركم. ألا إن أكيس الكيس التقى، أعجز
العجز الفجور. وإن هذا الأمر الذي الختلف فيه أنا ومعاوية. إما أن
يكون كان أحق به مني، وإما أن يكون حقي، فتركته لله ولصلاح أمة
محمد صلى الله عليه وسلم وحقن دمائهم. قال: ثم التفت إلى معاوية
فقال: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ". ثم نزل فقال عمرو
لمعاوية: ما أردت إلا هذا. ومات الحسن، رضى الله عنه، مسموما (1).
يقال إن أمرأته " جعدة " بنت الأشعث بن قيس سمته. دس إليها معاوية
أن تمسه. فإذا مات أعطاها أربعين ألفا، وزوجها من يزيد. فلما مات
الحسن وفى لها بالمال وقال لها:... حاجة هذا ما صنعت بابن فاطمة،
فكيف تصنع بابن معاوية ؟ فخسرت وما ربحت. وهذا أمر لا يعلمه إلا
الله، ويحاشى معاوية منه. وقيل: إن يزيد دس إلى جعدة بذلك. وقد ذكر
الخبرين أصحاب التواريخ. وحدث قاسم بن اصبغ البياني قال: نا عبد
الله بن روح نا عثمان بن عمر بن فارس قال: نا ابن عون، عن عمير بن
اسحاق قال: كنا عند الحسن بن علي فدخل المخرج المخرج ثم خرج فقال:
سقيت السم مرارا، وما سقيت مثل هذه المرة. ولقد
------------------------------------------------------------------------
(1) انظر تفصيل موته في " المختصر في أخبار البشر: 1 / 182 " وفي
تجارب السلف: 52.
------------------------------------------------------------------------
[ 31 ]
لفظت طائفة من كبدي، فرأيتني أقلبها بعود معي. فقال له الحسين: أي
أخي، من سقاك ؟ فقال: وما تريد إليه ؟ أتريد أن تقتله ؟ قال: نعم.
قال: لئن كان الذي أظن فالله أشد بقمة. ولئن كان غيره فما أريد
يقتل بي برئ. ولما ورد البريد بموته على معاوية أتى ابن عباس
معاوية فقال له: يا بن عباس، احتسب الحسن، لا يحزنك الله ولا
يسوؤك. فقال: أما ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني
الله ولا يسوؤني. فأعطاه على كلمته ألف وعروضا وأشياء. وقال له:
خذها واقسمها على أهلك. وذكر أنه لما بلغ معاوية موت الحسن كبر،
وكبر من كان في مجلسه معه. وسمعت فاختة بنت قرظة زوجة التكبير.
فلما دخل عليها قالت له: يا أمير المؤمنين: إني سمعت تكبيرا عاليا
في مجلسك، فما الخبر ؟ فقال لها: مات الحسن. فبكت وقالت: إنا لله
وإنا إليه راجعون. سيد المسلمين وابن رسول الله تكبر على موته ؟
فقال لها معاوية: إنه والله كنا قلت فأقلي لومي ويحك. ودخل عليه
ابن عباس عشية يوم هذه القصة فقال: يابن عباس أسمعت بموت الحسن،
فبكى ابن عباس وقال: قد ما زاد موته في عمرك. ولقد وافاه أجله، وقد
زكا قوله وعمله، وصار إلى ما أعد الله له من الكرامة في دار القامة
مع جده الرسول وأمه البتول وأبيه النفاع في الله الضرار، وعمه ذي
الجناحين الطيار. ولئن رزئنا بفقده، فلقد من هو خير
------------------------------------------------------------------------
[ 32 ]
منه، محمد صلى الله عليه وسلم.. كانت وفاة الحسن بالمدينة في شهر
ربيع الأول سنة تسع وأربعين، وهو يومئذ ابن سبع وأربعين سنة. ودفن
بالبقيع الى جنب أمه فاطمة رضي الله عنها وعن بنيها أجمعين. وصلى
عليه سعيد بن العاصي والد عمرو الأشدق، وكان يومئذ أميرا على
المدينة. قدمه الحسين للصلاة عليه، وقال: هي السنة، ولولا أنها سنة
ما قدمتك. وكان أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا
أن تكون فتنة تثير قتالا، فإن كانت فادفنوني بالبقيع. فلما جئ
بسريره إلى المسجد منعهم مروان من الدخول وقال: والله لا يدفن أمير
المؤمنين عثمان في البقيع وتدفنون الحسن مع رسول الله. وتنازعوا
حتى دخلت بنو هاشم مع الحسين في السلاح وبنو أمية مع مروان كذلك.
فأصلح الناس، وأبو هريرة بينهم. وقال أبو هريرة: والله إن هذا
لظلم، يمنع الحسن أن يدفع مع جده. ثم ناشد الله الحسين وقال: يا
أبا عبد الله، أليس قد قال الحسن: ادفنوني بالبقيع إن كانت فتنة
تثير قتالا ؟ ولم يزل به حتى سكن غضبه ورضي، ودفن الحسن بالبقيع،
رضي الله عنهما. ولما توفي الحسن عليه السلام أدخله قبره الحسين
ومحمد ابن الحنيفة وعبيد الله بن عباس. ثم وقف على قبره وقد
اغرورقت عيناه فقال: " رحمة الله عليك أبا محمد. فلئن عزت حياتك
لقد هدت وفاتك. ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم الجسد جسد تضمنه
كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمنه لحدك.
------------------------------------------------------------------------
[ 33 ]
وكيف لا تكون كذلك وأنت جلف التقى ؟ وجدك النبي المصطفى وأبوك علي
المرتضي، وأمك فاطمة الزهرا، وعمك جعفر الطيار في جنة المأوى ؟
غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الاسلام، ورضعت ثدي الايمان. فطبت حيا
وميتا. فلئن كانت الأنفس غير طيبة بفراقك فإنها غير شاكة أنه قد
خير لك، وإنك وأخاك سيدا شباب أهل الجنة. فعليك السلام منا ". وكان
الحسن والحسين رضي الله عنهما من أجواد الاسلام، ولهما ولعبيد الله
بن جعفر بن عباس ولسعيد بن العاصي أخبار مأثورة، عزيزة الوجود في
المبرزين في الجود. وولد الحسن بن علي الحسن، أمه خولة بنت منظور
بن زبان الفزارية وعمرا أمه ثقفية، وابنه محمد بن عمرو وروى عن
جابر بن عبد الله حديث: " ليس من البر أن تصوموا في السفر ". خرجه
مسلم. والحسين الأثر م لأم ولد، وطلحة وأمة أم السحاق بنت طلحة بن
عبيد الله. فأما السحن بن الحسن بن علي فولد: عبد الله، والحسن،
وابراهيم، ومحمدا، وجعفرا، وداود. وكان عبد الله ابن حسن بن حسن بن
حسن يكنى أبا محمد، وكان خيرا ورؤي يوما يمسح على خفيه. فقيل له:
تمسح ؟ قال: نعم، قد مسح عمر بن الخطاب. ومن جعل عمر بينه وبين
الله فقد استوثق وروي ان عمر بن عبد العزيز وجه إلى عبد الله بن
الحسن ابن حسن: إذا كانت لك حاجة فاكتب بها رقعة، فإني استحبي من
الله ان يراك على بابي.
------------------------------------------------------------------------
[ 34 ]
ومن ولد عبد الله بن حسن: ابراهيم، ومحمد، وإدريس. فأما ابراهيم
ومحمد فكانت لهما فطنة وذكاء في صغرهما، وكانا من أهل البلاغة
واللسن في كبرهما. الأصمعي: عن بعض شيوخه الثقات، عن عبد الله بن
طاووس (1) قال: أقبلت إلى عبد الله بن الحسن، فأدخلني بيتا، قد نجد
بالرهاوي (2) وكل فرشة شريفة. قال فبسطت نطعي (3) وجلست عليه،
وأبناه محمد وابراهيم صبيان يلعبان. فلما نظا إلي قال احدهما
لصاحبه: ميم. قال الآخر: جيم. فقلت أنا: نون واو نون. فاستغرقا
ضحكا، وخرجا إلى أبيهما، فأخبراه فتبسم. توفي عبد الله بن طاووس في
خلافة أبي العباس السفاح، وروي عنه الحديث وكان من الثقات، وأكثر
روايته عن أبيه. وأبوه طاووس: كان من أصحاب ابن عباس. وتوفي بمكة
سنة ست ومئة قبل التروية (4) بيوم، وصلى عليه هشام بن عبد
------------------------------------------------------------------------
عبد الله بن طاووس بن كيسان الهمداني. من شيوخ الأصمعي، ومن عباد
أهل اليمن وفقائهم المشهورين، ومن رجال الحديث الثقات. توفي سنة
132 ه‍. الأعلام: 4 / 227 (2) الرهاوي: منسوب إلى بلدة الرها في
بلاد الروم (أصلها أوذية)، وإلى رهاة قبيلة من مذحج، والأول هو
المطلوب هنا. (معجم البلدان) (3) النطع: بساط من الجلد. (4)
التروية: يوم قبل يوم عرفة، وهو الثامن من ذي الحجة. سمي به لأن
الحجاج يترون فيه من الماء، وينهضون إلى منى ولا ماء بها،
فيتزودون ريهم من الماء أي يسقون ويستقون. (اللسان) (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 35 ]
الملك. وهو طاووس بن كيسان مولى لأهل اليمن. وأمه مولاة لحمير.
وكان يكنى إبا عبد الرحمن. وخرج عنه الأئمة مالك والبخاري ومسلم
والترمذي. غيرهم. وخرج محمد وابراهيم على أبي جعفر المنصور، وغلبا
على المدينة ومكة والبصرة. فبعث إليهما، فقتل محمد بالمدينة، وقتل
ابراهيم بباخمرا (1)، على ستة عشر فرسخا من الكوفة. وأما ادريس بن
عبد الله (2) أخوهما فهو الذي صار إلى أرض البرير بالمغرب هاربا في
خلافة هارون الرشيد. وولد إدريس الأصغر. ترك أمه حاملا به حين سم،
وخبره مشهور. ومن ولد إدريس بن إدريس الشرفاء بالمغرب والأمراء
بقرطبة ومالقة وسبتة، وذلك بعد النقراض دولة المنصور محمد بن أبي
عامر المعافري (3) ودولة ولديه.
------------------------------------------------------------------------
(1) باخمرا: موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب. بها
كانت الوقعة بين أصحاب أبي جعفر المنصور وابراهيم بن عبد الله بن
حسن. فقتل ابراهيم هناك، وقبره إلى الآن يزار. (معجم البلدان)
(2) هو ادريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، مؤسس
دولة الأدارسة في المغرب واليه نسبتها. انهزم من العباسيين بعد
قتل الحسين بن علي في المدينة فنزل في مصر فالمغرب الأقصى سنة
172. واستطاع أن يجمع البرير تحت إمرته. وتم له الأمر في نفس
العام. وعظم أمره واتسع ملكه حتى سنة 177 حيث مات مسموما.
الاستقصا: 1 / 67 (3) هو محمد بن عبد الله بن عامر بن محمد أبي
عامر المعارفي القحطاني. أمير الأندلس في دولة المؤيد الأموي،
وأحد الشجعان الدهاة. عهد إليه بوكالة، السيد صبح (أم هشام
المؤيد) فولي النظر في أموالها وضياغها وعظمنت مكانته عندها، ثم
أضيف إليه عدة وظائف. ودامت له الإمرة ستا وعشرين سنة، غزا فيها
بلاد الافرنج ستا وخمسين غزوة. ومات في احدى غزواته في مدينة
سالم، ولا يزال قبره معروفا فيها سنة 392 ه‍. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 36 ]
وأم عبد الله بن حسن بن حسن فاطمة بنت الحسين بن علي، أخت سكينة.
وكانت أجمل من سكينة. وكان الحسين رضي الله عنه أرى ابن أخيه الحسن
بن الحسن ابنتيه سكينة في سحن أبي جعفر، وأخوته معه، وهم: حسن
وداود وابراهيم. ومن ولد ابراهيم بن حسن ابن طباطبا (1)، وهو محمد
بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن حسن بن حسن، وهو صاحب أبي
السرايا الشيباني (2). وخرج ابن طباطبا على المأمون عبد الله بن
الرشيد بالكوفة سنة تسع وتسعين ومئة. وهي السنة الثانية من خلاقة
المأمون. وبويع للمأمون عند قتل المخلوع أخيه الثانية محمد الأمين
ليلا ببغداد، وهو بخراسان لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين
ومئة. وتولى قتل المخلوع طاهر بن
------------------------------------------------------------------------
(1) ابن طباطبا: من ولد بن أبي طالب: أمير علوي ثاثر ومن أئمة
الزيدية. مال إليه الناس في المدينة فاستتر. دخل الكوفة يستعرض
رأي الناس فيه. قم لقي أبا لسرابا واتفقا على إعلان الثورة ضد
العباسيين. لكن توفي سنة 199 وعمره ست وعشرون إثر مرض أو سم.
الطبري: 10 / 227 (2) أبو السرابا: هو السري بن منصور الشيباني،
من أحفاد هانئ الشيباني ومن الأمراء العصاميين. كان كثير الطموح،
فاتصل بهرثمة بن أعين أيام الفتنة بن الأمين والمأمون. لقبه ابن
طباطبا في الرقة واتقق معه على الثورة وبايعه. فاستوليا على
الكوفة، وسير الجيوش الى البصرة. ثم استفحل أمره فملك واسرا
والمدائن. قتله الحسن بن سهل، وأرسل رأسه إلى المأمون، ونصبت
جثته على جسر بغداد سنة 200 ه‍. الطبري: 10 / 227 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 37 ]
الحسين ذو اليمينين (1). ومن موالى الحسن بن علي رضي الله عنهما
الحسن بن سعد: روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. مسلم: حدثنا
شيبان بن فروخ قال: نا مهدي بن ميمون قال: نا محمد ابن عبد الله بن
أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر
قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسرني
حديثا لا آخذ به احتراس الناس (؟). وأبو أسامة حماد بن أسامة:
المحدث الثقة، مولى الحسن ابن سعد هذا. فهو مولى مولى. توفي أبو
أسامة بالكوفة سنة تسع ومئتين وهو ابن ثمانين سنة.
------------------------------------------------------------------------
(1) طاهر بن الحسين بن مصعب الخزاعي أبو الطيب. من كبار الوزراء
والقواد أدبا وحكمة وشجاعة. وهو الذي وطد الملك للمأمون العباسي.
وكانت لأبيه منزلة عند الرشيد. ولما مات الرشيد وولي الأمين، كان
المأمون في مرو. فانتدب طاهرا للزحف الى بغداد فهاجمها، وظفر
بالأمين فقتله سنة 198، وعقد البيعة للمأمون. فولاه شرطة بغداد.
ثم ولاه خراسان سنة 205. وجد عليه المأمون لقتله أخاه. وأحسن
طاهر بهذا فقطع الخطبة عن المأمون. قتله أحد غلمانه سنة 207
وفيات الأعيان (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 38 ]
الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام ولد الحسين في شعبان سنة
أربع من الهجرة. ويكنى أبا عبد الله. وعلقت فاطمة بالحسين بعد
وضعها الحسن بخمسين يوما. قاله الواقدي. وكان الحسن رضي الله عنه
من الفقهاء العالمين بالكتاب والسنة. وروى عن النبي صلى الله عليه
وسلم قوله: " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ". هكذا حدث به
العمري عن الزهري، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم. وروى ابراهيم بن سعد عن ابن اسحاق، عن الزهري، عن سنان
بن أبي سنان الدؤلي عن حسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم
حديثا في ابن صائد: " اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم بعدي أشد
اختلافا ". وحديث: " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه، هو ثلث
الإسلام ". ورواه أيضا أبو هريرة. وروى سفيان بن عينية (1) عن عبد
الله بن شريك عن بشر
------------------------------------------------------------------------
(1) سفيان بن عيينة، أبو أحمد. وهو تابعي، اتفقوا على إمامته
وجلالته. قال: فرأت القرآن وأنا أبن سبع سنين. ولد سنة 107،
وتوفي سنة 198 ه‍. تهذيب الأسماء: 1 / 225 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 39 ]
ابن غالب قا ل: سمعت ابن الزيبر وهو يسأل حسين بن علي: يا أبا عبد
الله، ما تقول في فكاك الأسير، على من هو ؟ قال: على القوم الذين
أعانهم. وربما قال: قاتل معهم " قال سفيان: يعني يقاتل مع أهل
الذمة فيفك من جزيتهم. قال: وسمعته يقول: يا أبا عبد الله متى يجب
عطاء الصبي ؟ قال: إذا استملى وجب عطاؤه ورزقه. وسأله عن الشرب
قائما، فذعا بلقحة (1) له فحلبت وشرب قائما، وناوله. وكان يعلق
الشاة المصلية (2) فيطعمنا منها، ونحن نمشي معه. وكان كثيرة الصلاة
والصيام والحج. حج رضي الله عنه عشرين حجة، ماشيا. قال ذلك مصعب بن
عبد الله الزبيري. وكان رضي الله عنه متواضعا. مر على قوم من
الماكين، وكان راكبا، فسلم عليهم، وهم قد وضعوا كسرا بالأرض، وهم
يأكلون. فقالوا: هلم يا بن رسول الله، فنزل عن دابته وقال: إن الله
لا يحب المستكبرين، ثم جلس وأكل معهم. فلما فرغوا قال: إنكم
دعوتموني فأجبتكم. وإني أدعوكم إلى منزلي، فأجابوه. فلما دخلوا
منزلة وجلسوا قال: يا رباب، هات ما كنت تدخرين. ومن مناقبه ما ذكر
الترمذي بسنده عن يعلى بن مرة (3) قال:
------------------------------------------------------------------------
(1) اللقكة (بكسر القاف): النافة الحلوب الغزيزة اللبن. (2)
الشاة المصيلة: المشوية. (3) يعلى بن مرة بن وهب بن جابر بن عناب
بن مالك. شهد مع النبي صلح الحديبية، وبايع بيعة الرضوان، وشهد
خيبر والفتح وهوازن والطائف. ثم كان من أصحاب علي. سكن الكوفة،
وقيل البصرة. أسد الغابة: 5 / 130 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 40 ]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسين مني وأنا من حسين. أحب
الله من أحب حسينا. حسين سبط (1) من الأسباط ". وقال أبو هريرة:
أبصرت عيناي هاتان، وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عيله وسلم، وهو
آخذ بكفي حسين، وقدماه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يقول: " ترع عين بقة " (2). قال: فرقي الغلام حتى وضع قدميه على
صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " افتح فاك ". ثم قبله، ثم قال: " اللهم أحبه، فإني
أحبه ". الترمذي: حدثنا عقبة بن مكرم العمي: نا وهب بن جرير ابن
حازم: نا أبي عن محمد بن أبي يعقوب، عن عبد الرحمن ابن أبي نعم أن
رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن ذم البعوض يصيب الثوب. فقال ابن
عمر: انظروا الى هذا، يسأل عن ذم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ! وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
إن الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ". ولما مات معاوية، وبويع
يزيد ابنه وصل البريد ببيعة يزيد *. (هامش) * (1) السبط: ولد
الولد. ويغلب على ولد البنت، مقابل الحفيد الذي هو ولد الا (2)
ترقص الأمهات العربيات أولادهم وهن يغنين بهذه الجملة. وأصل الجملة
" حزقة حزقة، ترق عين بقة ". قيل: بقة اسم حصن، ولعله الذي كان به
جذيمة الأبرش على شاطئ الفرات. والمراد بهذه الجملة: اعل عين بقة.
وقيل: إنها تشبه طفلها بالبقية لصغر جثته. وقد استخدم رسول الله
هذا القول مداعبا حفيده. لسان العرب " بقق " (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 41 ]
إلى المدينة، وأمر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بأخذ الحسين
بالبيعة. فأرسل إليه ليلا، وأقرأه كتاب يزيد وطلبه بالبيعة، فقال:
مثلي لا يبايع سرا، فإذا كان في غد بايعت علانية. فلما هم بالخروج
قال مروان بن الحكم للوليد، وكان حاضرا معه في مجلسه لتدبير أمر
بيعة يزيد: يا لها من غلطة، ما رأيت لها مثلا. تترك الأمر مستقبلا،
وتطلبه مستدبرا ؟ فقال له: فما ترى أنت ؟ قال: تأخذه بالبيعة، فإن
أبي ضربت عنقه. فسمعه الحسين فسل سيفه، وهم أن يضرب مروان، ثم قال
له: يا بن الزرقاء، أمثلك يأمر بقتل مثلي ؟ وكان الحسين قد دعا
بمواليه وأهل بيته، فأقعدهم على الباب حين دخل وقال لهم: إن ارتفع
صوتي فاقتحموا علي الدار، وإلا فمكانكم حتى أخرج إليكم. وحين خرج
الحسين عن الوليد ارتحل من ليلته إلى مكة. وقيل: إنه ارتحل نهارا.
وكان عبد الله بن الزبير قد خرج من أول هذه الليلة إلى مكة هاربا
بعدما اجتمع مع الحسين مخافة أن يؤخذ بالبيعة ليزيد، وهرب معه أخوه
جعفر بن الزبير. ومضيا على طريق " الفروغ "، وهي طريق غير الجادة،
خوفا من الطلب، فلم يقدر عليهما. فلما قدم الحسين مكة كتب إليه
سليمان بن صرد الخزاعي (1) والمسيب بن نجبة الفزاري وغيرهما من
رجال أبيه وشيعته من
------------------------------------------------------------------------
(1) سليمان بن صرد، أبو مطرف. روى عن رسول الله خمسة عشر حديثا.
نزل الكوفة، وكان خيرا فاضلا صاحب عبادة. وكان له قدر وشرف في
قومه. قتل في رأس العين بالجزيرة سنة 65، وهو ابن ثلاث وتسعين
سنة، وكان أميرا على الجيش. تهذيب الأسماء: 1 / 234 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 42 ]
الكوفة: " هلم إلينا يا بن رسول الله، فأنت أحق بالخلافة من يزيد
الخمور "، وكتبوا بيعتهم. فلما أراد الخروج من مكة جاءه عبد الله
بن عمر فقال: إلى أين تسير يا أبا عبد الله ؟ قال: هذه بيعة أهل
العراق وكتبهم قد أتتني. قال: أتسير إلى قوم قتلوا أباك، وخذلوا
أخاك، وكانت طاعتهم لهما أكثر مما لك الآن ؟ وجعل عبد الله يثبطه
عن الخروج. فلما أبى عليه اعتنقه وقال: أستودعك الله من قتيل. وبعث
الحسين من مكة إلى الكوفة ابن عمه مسلم بن عقيل ليصحح بيعته بها،
ويأخذ العهود له من أهلها. فقتل بعد خطب (؟) طويل. قتله عبيد الله
بن زياد، وقتل معه هانئ بن عروة المرادي (1). وقيل إن الوالي كان
على المدينة عند بيعة يزيد بن معوية خالد بن الحكم أخو مروان. ثم
عزل وولاها عثمان بن محمد بن أبي سفيان. وهو الذي قال: لما خرج
الحسين عن المدينة، ولم يبايع، اركبوا كل بعير بين السماء والأرض،
فاطلبوه. فطلبوه فلم يدرك. وخرج الحسين من مكة إلى العراق فلقيه
الفرزدق في الطريق، فسأله عن أمر الناس فقال: يا بن رسول الله،
القلوب معك والسيوف عليك، والنصر من السماء. وخرج عبيد الله بن
زياد من الكوفة بجيشه إلى الحسين، وعلى مقدمته عمر بن سعد
------------------------------------------------------------------------
(1) هو هانئ بن عروة بن الفضفاض بن عمران أحد سادات الكوفة
وأشرافها. كان في البده من خواص علي، ثم كان من قواد معاوية.
قتله ابن زياد لأنه امتنع عن تسليمه مسلم بن عقيل رسول الحسين
الى الكوفة، وصيله في سوق الكوفة سنة 60 ه‍. الكامل: 4 / 10 - 15
(*)
------------------------------------------------------------------------
[ 43 ]
ابن أبي وقاص. وكان مسلم بن عقيل لما قدم ليقتل بين يدي عبيد الله
بن زياد، وقد أثخن جراحا، نظر هل يرى أحدا من قريش ؟ فرأى عمر بن
سعد، فقال: ادن مني. فدنا منه عمر، فقال: أنت أقرب الناس إلي في
السبب. فإن أردت أن تفور بشرف الدارين فابعث إلى حسين ليرجع من
الطريق، فإني تركته ومن معه، وهم تشعون إنسانا على الخروج من مكة،
وإنهم الآن في الطريق، واكتب إليه بما أصابني. فلما انصرف عنه عمر
بن سعد قال لابن زياد: أتدري ما قال لي مسلم ؟ قال: اكتم على ابن
عمك. قال: الأمر أعظم من ذلك. قال: اكتم على ابن عمك. فلما أكثر
على ابن زياد فيها قال له مسلم، قال له: قل. قال: أخبرني أن حسينا
خرج في أهله وقرابته ومن اتبعه من الناس إلى الكوفة. قال له ابن
زياد: أما إذ أخبرتني فوالله لا خرج لقتاله غيرك. أما والله لو أسر
إلي كما أسر إليك لرددتهم. ويحك ما حفظت وصية ابن عمك حين رآك لها
أهلا ؟. ثم التقوا مع الحسين بكربلاء: وهو موضع علي الفرات. فأتاه
عمر بن سعد فقال: ما هذا المسير يا أبا عبد الله ؟ قال: سرت إلى
قوم غروني بكتبهم، ولا مرد للفضاء. وإني أسأل منكم إحدى ثلاث خلال:
إما أن تتركوني أرجع من حيث جئث. وإما أن تخلوا بيني وبين الطريق
إلى الأعاجم، أقاتل فيهم حتى أموت، وإما أن أسير إلى يزيد فأضع يدي
في يده. فأخبر عمر ابن سعد بذلك عبيد الله بن زياد، فقال: لا أعطيه
واحدة من الثلاث. ولكن ينزل على حكمي. فأخبر عمر بن سعد بذلك
------------------------------------------------------------------------
[ 44 ]
الحسين فقال: أأنزل على حكم ابن مرجانة الدعي ؟ الموت والله عندي
دون ذلك أشهى وأحلى. ومرجانة: أم عبيد الله، وهي أمة. ولما أبي
عبيد الله أن يعطي الحسين واحدة من الخلال الثلاث التي طلب، قالت
طائفة من عسكر عبيد الله. يعرض عليكم ابن بنت رسول الله واحدة من
ثلاث خلال فلم تسعفوه بها ! لقد خاب سعيكم، وشقي من يتبعكم.
فانصرفوا إلى الحسين، فقتلوا معه، رضي الله عنهم ورحمهم، وأبلى
الحسين في ذلك اليوم بلاء عظيما، وقتل من عسكر عبيد الله أشقياء
كثيرة، حتى قتل، رضوان الله عليه. وقتل معه من ولده وولد أخيه
الحسن وولد عمه عقيل جماعة لم ينشأ في الاسلام مثلهم. وروي فطر عن
منذر الثوري عن إبن الحنيفة قال: قتل مع الحسين بن علي سبعة عشر
رجلا، كلهم من ولد فاطمة. وقتل، رضي الله عنه، يوم عاشوراء، سنة
إحدى وستين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. واختلف فيمن قتله، فقيل: شمر
ابن ذي الجوشن الضبابي، لعنه الله. وهو القائل لعبيد الله بن زياد:
أوقر ركابي فضة وذهبا * إلي قتلت الملك المحجبا خير عباد الله أما
وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا وقال مصعب الزبيري: الذي ولى قتل
الحسين بن علي سنان بن أبي سنان النخعي، لا رحمه الله. وهو جد شريك بن
------------------------------------------------------------------------
[ 45 ]
عبد الله القاضي. ويصدق ذلك قول الشاعر: وأي رزية عدلت حسينا *
غداة تبيره (1) كفا سنان ولما أدخل أهله على يزيد بن معاوية
بالشام، وهم في حال سيئة، وكانوا على الأقتاب (2)، لم يوطا في
طريقهم إليه. قالت له أم كلثوم بنت علي من غير فاطمة: يا يزيد،
بنات رسول الله سبايا أذلة ! ! فقال: بل كرام أعزة. وبكى، وأمر
بإدخالهم إلى حرمه. وجعل بين يدي يزيد على بن الحسين الأصغر، وهو
زين العابدين. وكان علي الأكبر قتل مع الحسين مع جملة من قتل من
بنيه وبني أخيه الحسن وبني عمه عقيل. فقرا يزيد: " ما أصابكم من
مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (3). فقال: لا تقل ذلك يا
يزيد، ولكن قل: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم إلا في
كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير " (4). واستشار يزيد
أهل الشام في من بقي من ولد الحسين وولد أخيه الصغار. فقال له بعض
الأشقياء منهم: لا تتخذ من كلب سوء جروا يا أمير المؤمنين. فقال له
النعمان بن بشير: اصنع بهم يا أمير المؤمينين ما كان يصنع بهم رسول
الله صلى الله عليه
------------------------------------------------------------------------
(1) تبيره: تهلكه، من البوار بمعني الهلاك. (2) القتب: الرحل،
جمعها الأقتاب. (3) الشورى رقم: 42 / الآية: 30 (4) الحديد: 57 /
الآية: 22
------------------------------------------------------------------------
[ 46 ]
وسلم لو رآهم على هذه الحال. فأمر بإنزالهم وإكرامهم. ثم قال: لو
كان بيهم وبين من عض بظر إمه نسب، يعني ابن زياد ما قتلهم، ثم ضرب
عليهم القباب بعدما أدخلوا الحمام، وأمال عليهم المطبخ، وتساهم،
واخرج لهم جوائز كثيرة، وبعث معهم من ردهم إلى المدينة. وأتي يزيد
برأس الحسين عليه السلام. فلما وضع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب
كان في يده ويقول: كان أبو عبد الله صبيحا. فقال له النعمان بن
بشير: ارفع يدك يا يزيد عن فم طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقبله. قال: فاستحيا يزيد، وأمر برفع الرأس. وما روي (1) بعد
قتل الحسين من العبر في يقظة ومنام روي عن رواة صحائح الآثار
والأخبار. الترمذي بسنده، عن أم سلمة قالت: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب.
فقالت: ما لك يا رسول الله ؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا. وحدث أبو
بكر بن أبي شيبة قال: نا حماد بن سلمة قال: نا عمار بن أبي عمار،
عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرى النائم
نصف النهار، وهو أشعث أغبر، في يده قارورة فيها دم. فقلت: بأبي أنت
وأمي يا رسول الله، ما هذا ؟ قال: " هذا دم الحسين، لم أزل التفطه
منذ اليوم "، فوجد قد قتل في ذلك اليوم. وبكى الناس الحسين،
فأكثروا وأحسنوا. قالت الرباب بنت امرئ القيس
------------------------------------------------------------------------
(1) رسمت في الأصل كذا (رئ)، ولعلها كما ذكرنا. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 47 ]
الكلبية (1)، ترثي زوجها الحسين بن علي رضي الله عنهما: إن الذي
كان نورا يستضاء به * بكربلاء قتيلا غير مدفون سبط النبي جزاك الله
صالحة * عنا وجنبت خسران الموازين قد كنت لي جبلا صعبا الوذ به *
وكنت تصحبنا بالرحم والدين من لليتامى ومن للسائلين * يقي ويأوي
إليه كل مسكين ؟ وقال سليمان بن قنة الخزاعي (2)، وأجاد فيما قال:
مررت على أبيات آل محمد * فلم أر من أمثالها حيث حلت فلا يبعد الله
البيوت وأهلها * وإن أصبحت منهم برغمي تخلت وكانوا رجاء ثم عادوا
رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت وإن قتيل الطف (3) من آل هاشم *
أذل رقابا من قريش فذلت ألم تر أن الأرض أضحت مريضة * لفقد حسين،
والبلاد اقشعرت وقد أعولت تبكي السماء لفقده * وأنجمها ناحت عليه
وصلت كذا قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: عن سلميان ابن قنة
إنه خزاعي. وقال المبرد في الكامل: هو من تيم بن مرة
------------------------------------------------------------------------
(1) الرباب بنت المرئ القيس بن عدي، زوجة الحسين الشهيد كانت معه
في وقعة كربلاء، ولما قتل جئ مع السبايا الى الشام، ثم عادت الى
المدينة، فخطبها بعض الأشراف من قريش فأبت. وبقيت بعد الحسين لم
يظلها سقف حتى بليت وماتت كمدا سنة 62 ه‍. وكانت شاعرة. الأعلام:
3 / 36 (2) ابن الآثير: 4 / 91 لم يذكر اسمه، فقد وضع نقاطا
لفراغ في الأصل ثم ذكر: التيمي تيم مرة. وسليمان هذا رجل من بني
تيم بن مرة بن كعب، وكان منقطعا الى بني هاشم. انظر الكامل
لاختلاف الروايات والانفراد ببعض الأبيات. وانظر رغبة الآمل: 3 /
43 لسبب ذاته. (3) الطف: أرض من ناحية الكوفة، فيها كان مقتل
الحسين. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 48 ]
ابن كعب بن لؤي. وكان منقطعا إلى بني هاشم. وقال ابن قتيبة في "
المعارف ": سليمان بن قنة هو منسوب إلى أمه. وهو مولى لتيم قريش.
وكان مع روايته الحديث شاعرا. وهو القائل: وقد يحرم الله الفتى وهو
عاقل * ويعطي الفتى... (1) وليس عاقلا " طويل " وهذا البيت، زعموا
لا يدرى قائله: أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب ؟ "
وافر " ولبعض المحسنين المجيدين يرثي الحسين رضي الله عنه: أمرر
على جدث الحسي‍ * - ن وقل لا عظمه الزكية يا اعظما ال زلت من *
وطفاء ساكبة روية وإذا مررت بقبره * فأطل به، وقف المطية وابك
المطهر للمط * - هر والمطهرة التقية كبكاء معولة أتت * يوما
لواحدها منية " م. الكامل " وقال بعض من وقذ (2) رزء الحسين فؤاده،
وألف الحزن
------------------------------------------------------------------------
(1) فراغ في الأصل. (2) وقذ: صرع، وهو وقيذ. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 49 ]
على مصابه الجلل واعتاده. نفعه الله بما قاله، ومن عثرات الذنوب
أقاله: أيا رزء الرضى الزاكي حسين * أسلت مع الدموع لنا نجيعا "
وافر " ببقعة كربلاء أريت سبطا * لخير المرسلين لقى صريعا رزينا
ابن البتول وأي رزء * جليل قد أرى خطبا شنيعا أثار لنا اكتئابا
وانتحابا * وأجج لفحه منا الضلوعا وكم من أجله صبر تولى * وكم عين
له هجرت هجوعا وكم قلب به أضحى مرواعا * ونفس فارقت جلدا وروعا
فيما صبري على بلوى حسين * ألا ودع فؤادا لي جزوعا وما عاف الأسى
والوجد مثلي * عليه ولا الكابة والخشوعا دهاه ابن الدعي بشر ناس *
فجذوا الأصل منه والفروغا لقد خسروا بما اكتسبوا فمن ذا * يكون لهم
إذا بعثوا شفيعا هم وتروا شفيع الخلق في ابن * لديه كان محفوظا
رفيعا فلا سقت الغوادي قبر رجس * زنيم (1) للغرور غدا مطيعا تحم في
بني المختار قسرا * وأجرى من دمائهم ربيعا وعن ماء الفرات حمى
كراما * لراعي حقوقهم إضحى مضيعا أتى في الذكر ذكرهم بقدس * فكن يا
من تلاه له مذيعا وولد الحسين، رضي الله عنه، عليا الأكبر: أمه مرة
بنت عروة بن مسعود الثفقي. كذا قال محمد بن شبل في روايته كتاب "
المعارف " عن موسى بن جميل، عن ابن قتيبة مؤلفه. وفي
------------------------------------------------------------------------
(1) الرنيم: اللئيم. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 50 ]
رواية غير ابن شبل: هي بنت مرة بن عروة بن مسعود، وقتل مع أبيه
الحسين. وولد عليا الأصغر، لأم ولد، وفاطمة: أمها أم اسحاق بنت
طلحة بن عبيد الله، وسكينة: أمها الرباب بنت امرئ القيس الكليبة،
وفيها كان الحسين يقول: لعمرك إنني لاحب دارا * تحل به سكينة
والرباب " وافر " فأما علي الأصغر فليس للحسين عقب إلا منه، وهو
زين العابدين. وكان أفضل بني هاشم بعد علي والحسين، وأمه فارسية،
معروفة النسب، واسمها سلافة بنت يزدجرد بن شهريار ابن كسرى انو
شيروان بن قباد. وكانت سلافة من خيرات النساء. ويقال إنها عمة أم
يزيد الناقص (1) أو اختها. وكان علي بن الحسين من أبر الناس بأمه
سلافة. وكان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فسئل عن ذلك فقال: أكره
أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قدعققتها. وكان يقال له
ابن الخيرتين لقول فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس. وخلف على
سلافة بعد الحسين بن علي زبيد مولاه.
------------------------------------------------------------------------
(1) هو زيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ولد في دمشق ومات
فيها سنة 126 ه‍. ثار على ابن عمه الوليد لسوء سيرته، وقتل
الوليد. فير ان يزيد مات بالطاعون أو بالسم، كان من أهل الورع
والصلاح. يقال له الناقص، لأنه انقص من أعطيات الجند التي زادها
سلقه. الكامل 5 / 115 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 51 ]
فولدت له عبد الله بن زبيد. فهو أخو علي بن حسين لأمه. وروي أن علي
بن حسين زوج أمه من مولاه، وأعتق جارية له وتزوجها. فكتب إليه عبد
الملك بعيره بذلك، فكتب إليه علي: " قد كان لكم في رسول الله اسوة
حسنة. قد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي (1)
وتزوجها، وأعتق زيد بن حارثة وزوجة بنت عمته زينب بنت جحش ". وتوفي
علي بن الحسين بالمدينة، وهو أبن ثمان وخمسين سنة، سنة أربع
وتسعين. وكان يكنى أبا الحسن. ودفن بالبقيع، وكان خيرا فاضلا قال
الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: علي
بن حسين أفضل هاشمي رأيت بالمدينة. وكان، رضي الله عنه، من أهل
العلم. وكان معظما عند خلفاء بني أمية. وأشهر ولد علي بن الحسين:
محمد وعلي وزيد. فأما محمد فهو الباقر: وأمه أم عبد الله بنت الحسن
بن علي. وقيل له: الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه، وكان من
الفقهاء. لقي جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وغيرهما ممن تأخر موته
من شباب الصحابة. ومات بالمدينة سنة سبع عشرة ومثة، وهو ابن ثمان
وخمسين سنة. وقال المدائني: مات وهو ابن ثلاث وستين.
------------------------------------------------------------------------
(1) هي صفية بن حيى بن أخطب أم المؤمنين عن بني النضير سباها
رسول الله عام خيبر سنة 7 ه‍. اعتقها وتزوجها ولما تبلغ السابعة
عشرة، وجعل اعتقها صداقها. روت عشرة أحاديث. توفيت سنة 50 ه‍.
وابن قتيبة ذكر انها توفيت سنة 36 ودفنت بالبقيع. تهذيب الأسماء:
1 / 349 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 52 ]
وأخوه شقيقه علي بن علي بن الحسين، كان يلقب الإفطس وأعقب. ومن
عقبه حسين بن حسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين: خرج على المأمون
بمكة سنة تسع وتسعين ومئة. وقيل لمحمد بن علي بن الحسين عليهم
السلام: من أزهد الناس ؟ قال: من لا يبالي في يد من كانت الدنيا.
ومن العجب أن يشغل الرجل نفسه بشئ التدبير فيه إلى غيره. وكان رضي
الله عنه يقول: أدب الله محمدا صلى الله عليه وسلم أحسن الأدب،
فقال: خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين. فلما وعى عن الله
عز وجل ما أمره قال: (وإنك لعلى خلق عظيم) (1). فلما قبل منه ما
فوض إليه قال: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)
(2). وقال رضي الله عنه: " إن الله رضي الآباء للابناء، فحذرهم
منهم، ولم يرض الأبناء للآباء، فإوصاهم بهم. وإن شر الأبناء من
دعاه التقصير إلى العقوق. وإن شر الأباء من دعاه البر إلى الإفراط.
وولد محمد الباقر جعفرا وهو الصادق: ولده أبو بكر الصديق، رضي الله
عنه مرتين: أمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمهما أسماء
بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان من ساكني المدينة، وبها مات في
خلاقه أبي جعفر في قول المدائني والواقدي. قال الواقدي: لما خرج
محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بالمدينة على أبي جعفر هرب جعفر
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة القلم: 68 / الآية: 4 (2) سورة الحشر: 59 / الآية: 7
------------------------------------------------------------------------
[ 53 ]
ابن محمد إلى ماله بالفرع. فلم يزل هنالك مقيما متنحيا عما كانوا
فيه، حتى قتل محمد. فلما قتل محمد واطمأن الناس وأمنوا رجع إلى
المدينة، فلم يزل بها حتى توفي سنة ثمان وأربعين ومئة. وهو يومئذ
ابن احدى وسبعين سنة. وكان فاضلا، وتكذب عليه الشيعة كثيرا. وكان
من شيوخ مالك وسفيان الثوري. ولمالك عنه في الموطأ تسعة أحاديث،
منها خمسة متصلة مسندة، أصلها حديث واحد، وهو حديث جابر الطويل في
الحج، والأربعة منقطعة وكان يكنى أبا عبد الله. وكان أبو يعظمه
ويعرف له حق القرابة والطاعة. وأراده مرة بسوء لأمر باطل قرف به،
فصرفه الله عنه. وعلم أبو جعفر براءته وصدقه وإخلاصه ونصحه، رضي
الله عنه وعن آبائه. وولد جعفر موسى. وولد موسى عليا وهو الرضا،
وهو مولى معروف الكرخي الزاهد. وحدث الرضا علي بن موسى عن جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن علي بن..... وبايع المأمون لعلي الرضى بولاية
العهد بعده بخراسان. وأمر الناس بلباس الخضرة ولبس السواد. فلما
بلغ أهل بغداد ما فعل من رد الأمر إلى آل أبي طالب بايعوا عمه
ابراهيم بن المهدي، وهو الذي كان يقال له: ابن شكلة. وخبره مع
المأمون مشهور. وكان إسود حسن الصوت بالغناء. ومات الرضا بخراسان،
فصرف المأمون عن الطالبيين الأمر، ورجع هو وأهل دولته إلى لبس
السواد. وأما زيد بن علي بن الحسين فكان يكنى أبا الحسين، وأمه
------------------------------------------------------------------------
[ 54 ]
سندية. وكان بعيد الهمة، شريف النفس، سديد القول، بليغ المنطق. حدث
شبابة بن سوار الفزاري قال: حدثيي.... ابن أبي الصباح الكوفي، عن
أبي سلمة يحيى بن دينار، عن أبي المطهر الوراق قال: بينما زيد بن
علي في بعض أزقة الكوفة إذ بصر به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله
فأحضره طعاما. فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غص المجلس منهم.
فأكلوا معه، ثم استسقى فقالوا: أي شراب نسقيك يا بن رسول الله ؟
قال: أصلبه وأشده. فأتوه بعس (1) من نبيذ، فشرب. ودار العس عليهم
فشربوا. ثم قالوا: يا بن رسول الله، لو حدثنا في هذا النبيذ بحديث
رويته عن أبيك، عن جدك، فإن العلماء يختلفون فيه. قال زيد: حدثني
أبي عن جدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لتركبن طبقة بني
اسرائيل القذة بالقذة (2)، والنعل بانعل. ألا وإن الله ابتلى بني
اسرائيل بنهر طالوت (3)، أحل منه الغرفة والغرفتين، وحرم منه الري.
وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحل منه القليل، حرم منه الكثير ". فكان
أهل الكوفة يسمون النبيذ نهر طالوت. شبابة بن سوار: راوي هذا الخبر
هو مولى لفزارة من أهل بغداد من أبناء أهل خراسان. وتحول إلى
المدائن، فنزل بها، ثم خرج إلى مكة فأقام بها حتى مات. وورى مسلم
في صحيحه عن ابن أبي شيبة أبي بكر، عن شبابة وعن زهير بن حرب عنه،
------------------------------------------------------------------------
(1) العس: القدح أو الإناء الكبير. (2) القذة: الأذن من الإنسان
والفرس. (3) - نهر طالوت: اسم موضع. وطالوت الاسم جاء ذكره في
القرآن الكريم في سورة القرة الآية: 247. أصل اسمه " شاول "
الملك في التوراة. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 55 ]
وعن حجاج بن الشاعر ومحمد بن رافع واسحاق بن ابراهيم الحنظلي. وهو
بان زاهويه عنه. ويروي شابة عن شعبة وسليمان بن المغيرة وورقاء بن
عمر وغيرهم من الثقات. ولزيد بن علي مع ابن شهاب الزهري خبر طريف.
رأى الزهري في منامه كأنه مدفون في قبر، وكفه خارجة من القبر،
مخضوبة بالحناء. فسئل عن ذلك بن المسيب، فقال: هذا رجل صالح، يصيب
دما خطا. فاستعمل الزهري على صدقات بني عذرة. فاستعمل مولى للصلت
بن عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، ساعيا.
فخان، فضربه الزهري بعصا، فأصاب جرحا كان بظهره قد برأ. فانتقص
عليه عند ضربته إراه فمات منه. فجزع الزهري وندم، وقال: لا أقرب
امرأة، ولا يظلني سقف بيت. وضل متخفيا منفردا عن الناس. فمر به زيد
بن علي بن الحسين ففال: يا بن شهاب، أتق الله، فوالله ما أخاف أن
تعجز عنك رحمة الله، ولكني أخاف أن يوبقك إلى أهل الرجل بديته،
والرجع إلى أهلك ومنزلك. فكان الزهري يقول: زيد بن علي أعظم الناس
علي منة. ودخل زيد على هشام بن عبد الملك وهو خليفة. فقال له هشام:
بلغني انك تدعي الخلافة، وأنت ابن أمة ففال له: إن الله وضع
بالإسلام النقيصة، ورفع به الخسيسة. هذا اسماعيل أمه هاجر، وهي
أمة، وأخرج الله من صلبه سيد ولد آدم محمدا (ص) وهذا اسحاق بن حرة
أخرج الله من صلبه من مسخة قردة وخنازير. فأسمعه هشام ماكره. فخرج
مغضبا وهو يقول: ما
------------------------------------------------------------------------
[ 56 ]
أحب أحد الحياة إلا ذل. قال مولاه: فلما سمعت هذا الكلام منه علمت
أنه سيخرج. فخرج على هشام بالكوفة، واجتمع عليه عسكر كبير. وحارب
فبعث إليه يوسف بن عمرو الثقفي عامل هشام على العراق جيشا، فرمي
بسهم فمات، وصلب. صلبه يوسف بن عمر بالكناسة، وذلك سنة اثنتين
وعشرين ومئة. وإليه تنسب الزيدية: وهم أقل الرافضة غلوا. غير إنهم
يرون الخروج مع كل من خرج. فولد زيد بن علي يحيى وعيسى وحسينا.
فأما يحيى فقتل بخراسان بالجوزجان منها، زمن نصر بن سيار. وقدم
برأسه إلى الشام على الوليد بن يزيد الماجن. وأم يحيى ريطة بنت أبي
هاشم عبد الله بن محمد بن الحنيفة. وأما عيسى بن زيد فخرج علي أبي
جعفر المنصور بعد قتل أبي مسلم، واستيلائه على ملك العراقين والشام
والحجاز وخراسان ومصر واليمن. وقاتله فيما بين الكوفة وبغداد،
ولقيه في جموع كثيرة، نحو من عشرين ومئة الف. فأقام أياما يقاتله
في كل يوم، حتى هم أبو جعفر بالهزيمة، وركب فرسه لذلك. ثم جعل يشجع
الناس، ويعدهم العطايا الواسعة والصلات العظيمة، فقاتلوا. ثم إن
أبا جعفر غلبته عينه، وهو على فرسه. فنام، فرأى في نومه كأنه يمد،
وتسمر يداه ورجلاه على الأرض. فاستيقظ، فدعا عبارا كان معه. فأخبره
بما رأى. فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن سلطانك ثابت، وسيليه
بعدك جماعة من ولدك. وهذا الرجل منزم. فما كان بأسرع أن نظر
المنصور إلى عيسى بن زيد منهزما.
------------------------------------------------------------------------
[ 57 ]
وأما حسين بن زيد: فعمي. وكانت ابنته ميمونة عند المهدي. وكان له
ولد. وولد علي من غير فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي
عنهما، محمدا، وهو ابن الحنفية، وأبا بكر وعثمان والعباس وجعفرا
وعبد الله وابراهيم. وقتل هؤلاء الستة مع الحسين رضي الله عنه
عنهم. وعبيد الله قتله المختار، ولا عقب له. ويحيى: وأمه أسماء بنت
عميس. وعمر: وأمه تغليبه. وكان خالد بن الوليد سباها في الردة،
فاشتراها علي. وحمل عنه الحديث. روى عن عمر بن الخطاب، وكان له عقب
بالمدينة. ومن ولده محمد. وأمه أسماء بنت عقيل بن أبي طالب. ومن
ولد محمد بن عمر أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن
عمر بن علي بن أبي طالب. حدث عن ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن
زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: سمعت علي
بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال: " اللهم ارحم خلفائي ". قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك
؟ قال: " الذين يأتون من بدي، يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها
الناس. خرج هذا الحديث أبو نعيم الحافظ الاصبهاني في " الرياضة "
عن أبي حصين محمد بن الحسين بن حبيب القاضي، عن أبي الطاهر، مرفوع
النسب، عن أبن أبي فديك. وأعقب العباس بن علي ترك ولدين: عبيد
الله، أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس. وحسنا لأم ولد. وأم العباس
------------------------------------------------------------------------
[ 58 ]
وأخويه جعفر وعبيد الله أم البنين بنت حرام الوحيدية. وليس لجعفر
عقب. وأم عبيد الله وأبي بكر ابني علي: ليلى بنت مسعود بن خالد
النهشلي. وأما أبو القاسم محمد بن علي ابن الحنفية فأمه من سبي بني
حنيفة، اشترها علي، وأتخذها أم ولد. فولدت له محمدا فأنجبت. واسمها
خولة بنت إياس بن جعفر جان الصفا (1). ويقال: بل كانت أمة لبني
حنيفة، سندية سوداء. ولم تكن من أنفسهم. وإنما صالحهم خالد بن وليد
على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم. وكان شجاعا أيدا فصيحا عالما
بالكتاب والسنة. وللشيعة فيه أقاويل، يكذبون عليه فيها، وينكروها
أهل السنة، ويحاشى عنها، رضي الله عنه. وكان يفضل أبا بكر وعمر،
ويثني على عثمان رضي الله عنهم وعنه. وكان ابن الزبير قد حبس محمد
بن الحنيفة في خمسة عشر رجلا من بني هاشم، فقال: لتبايعن، أو
لأحرقنكم. فأبوا البيعة. وكان السجن الذي حبسهم فيه يدعى سجن عارم.
وفي ذلك يقول كثير، يخاطب ابن الزبير: تخبر من لاقيت انك عائذ * بل
العائذ المحبوس في سجن عارم " طويل "
------------------------------------------------------------------------
(1) الحنيفة أمه، وهي خولة بنت أياس بن جعفر بن قيس بن مسلم بن
ثعلبة بن يربوع. يكنى بأمه وأبيه جميعا. ولهذا بشترط أن ينون
(علي)، ويكتب (ابن الحنيفة) بالألف، ويكون أعرابه اعراب محمد،
لأنه وصف لمحمد لا لعلي، كما ذكرنا. تهذيب الأسماء: 1 / 88 (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 59 ]
وصي النبي المصطفى وابن عمه * وفكاك أعناق وقاضي مغارم أراد أبن
وصي النبي. والعرب تقيم المضاف إليه في هذا الباب مقام المضاف، كما
قال الآخر: صبحن من كاظمة الخص الخرب يحملن عباس بن عبد الملك "
رجز " يريد ابن عباس. وكان ابن الزبير يدعى العائذ، لأنه عاذ
بالبيت. وكان يدعى المحل، لأحلاله القتال في الحرم. وفي ذلك يقول
رجل في رملة بنت الزبير: ألا من لقلب معنى غزل * بقتل المحلة أخت
المحل ؟ " متقارب " وكان عبد الله بن الزبير يظهر البغض لابن
الحنيفة إلى بغض أهله. وكان يحسده على أيده. ويقال إن عليا استطال
درعا: فقال: لينعض منها كذا وكذا حلقة. فقبض محمد بن الحنيفة على
ذيلها بإحدى يديه، وبالاخرى على فضلها، ثم جذبها فقطعها من الموضع
الذي حد أبوه. فكان ابن الزبير إذا حدث بهذا غضب واعتراه له أفكل
(1). ومات محمد بن الحنيفة بالطائف سنة إحدى وثمانين، وهو يومئذ
ابن خمص وستين سنة. وروي عنه أنه قال: " الحسن والحسين خير مني،
وأنا أعلم بحديث أبي منهما ". وولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.
وروى فطر عن منذر الئوري عن محمد بن
------------------------------------------------------------------------
(1) أفكل: رعدة (هنا)، وهو مفكول. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 60 ]
الحنيفة، قال: قال لي علي: قلت: يا رسول الله إن ولد لي من بعدك
ولد اسميه باسمك وأكنيه بكنيتك ؟ قال: " نعم ". أخرج هذا الحديث
الترمذي عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد القطان عن فطر. وأشهر
ولد محمد بن الحنيفة. عبد الله أبو هاشم، والحسن أبو محمد، وروي
عنهما الحديث. مالك عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن
علي بن أبي طالب، عن أبيهما، عن علي بن علي طالب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر
الانسية. قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أعلم بما اختلف فيه من
الحسن بن محمد ما كان زهريكم هذا إلا غلاما من غلمانه، يعني أبن
شهاب. ومات زمن عمر بن عبد العزيز. وأما أبو هاشم أخوه فكان عظيم
القدر. وكانت الشيعة تتولاه، فحضرته الوقاة بالشام، فأوصى إلى محمد
بن علي بن عبد الله بن عباس، وقال له: أنت صاحب هذا الأمر، وهو في
ولدك. ودفع إليه كتبه، وصرف الشيعة إليه. وليس لأبي هاشم عقب.
وبنات علي رضي الله عنه من غير فاطمة كن عند ولد عقيل وولد العباس،
وعند جعدة بن هبيرة المخزومي، وعند سعيد بن الأسود بن أبي البختري
القرشي الاسدي. واسم أبي البختري: العاصي بن هشام بن الحرث بن أسد.
وهو قتيل المجذر بن ذياد (1) يوم بدر. وقد ذكرت خبره في بني أسد من
قريش.
------------------------------------------------------------------------
(1) اسمه صحيح بالذال، وهو صحابي بدري، استشهاد ببدر. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 61 ]
ومن موالي آل علي رضي الله عنه عنهم يحيى بن أبي كثير: روى عنه
الأوزاعي. قال أيوب السختياني: ما بقي على الأرض مثل يحيى بن أبي
كثير. ومات يحيى سنة تسع وعشرين ومئة. وروى عنه ابنه عبد الله بن
يحيى وغيره الحديث.
------------------------------------------------------------------------
[ 62 ]
فضائل علي ومواعظه ووصاياه رضي الله عنه مسلم: حدثنا محمد بن
المثنى وان بشار قالا: نا محمد ابن جعفر قال: نا شعبة عن الحكم عن
مصعب بن سعد عن سعد ابن أبي وقاص قال: " خلف رسول الله صلى الله
عنه وسلم علي ابن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله
تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى ؟ غير أنه لا نبي بعدي ". الترمذي: حدثنا واصل بن
عبد الأعلى، نا محمد بن فضيل عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي النصر
عن المساور الحميري عن أمه، قال: " دخلت على أم سلمة فسمعتها تقول:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحب عليا منافق، ولا
يبغضه مؤمن ". مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا وكيع وأبو
معاوية عن الأعمش. وحدثنا يحيى بن يحي واللفظ له، قال: نا أبو
معاوية عن الأعمش، عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش قال: قال علي رضي
الله عنه: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة
------------------------------------------------------------------------
[ 63 ]
إنه لعهد النبي الأمي إلي ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا
منافق. " الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، نا عبيد الله بن موسى عن
عيسى بن عمر عن السدي عن أنس بن مالك قال: كان عند النبي صلى الله
عليه وسلم طير فقال: " اللهم إئتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي هذا
الطير ". فجاء علي، فأكل معه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا
نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه. وقد روي من غير وجه عن أنس.
الترمذي: حدثنا اسماعيل بن موسى الفزاري ابن بنت السدي، نا شريك عن
أبي ربيعة عن ابن بريدة عن أبيه، قال: قال: رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " إن الله أمرني بحب أربعة ". قيل: يا رسول الله سمهم.
قال: " علي منهم "، يقول ذلك ثلاثا: " وأبو ذر والمقداد وسلمان
أمرني بحبهم، وأخبرني أنه يحبهم ". قال: هذا حديث حسن غريب.
الترمذي: حدثنا اسماعيل بن موسى، نا شريك عن أبي اسحاق عن حبشي بن
جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي مني وأنا من
علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي. النسائي: أخبرنا محمد بن يحي بن
عبد الله النيسابوري، وأحمد ابن عثمان بن حكيم قالا: نا عمرو بن
طلحة قال: نا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن عليا كان
يقول: " والله إني لأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وولية. " ولم
آخى رسول
------------------------------------------------------------------------
[ 64 ]
الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين
والأنصار بالمدينة قال: " في كل واحدة منهما لعلي، أنت أخي في
الدنيا والآخرة ". الترمذي: حدثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي،
نا علي بن قادم، نا علي بن صالح بن حي عن حكيم عن بشير عن جميع بن
عمير التيمي عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله أخيت بين أصحابك،
ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
أنت أخي في الدنيا والآخرة ". وحدث أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا
عبد الله بن نمير عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت أخي وصاحبي ". وقال:
حدثنا عبد الله بن نمير عن الحارث بن حصيرة قال حدثني أبو سليمان
الجهني يعني: زيد بن وهب قال: سمعت عليا يقول على المنبر: " أنا
عبد الله وأخو رسوله، لم يقلها أحد قبلي، ولا يقولها بعدي إلا كذاب
مفتر ". وروى أبو داود الطيالسي قال: نا أبو عوانة عن أبي بلج عن
عمرو بن ميمون عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لعلي: " أنت ولي كل مؤمن بعدي ". وقال خزيمة بن خازم: حدثني أبو
جعفر المنصور قال: حدثني أبي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال:
حدثني أبي علي بن عبد الله
------------------------------------------------------------------------
[ 65 ]
قال: حدثني أبي عبد الله بن عباس قال: كنت أنا. أبي العباس بن عبد
المطلب جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علي بن أبي
طالب فسلم، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه. وسلم، وبش به، وقام
إليه واعتنقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه فقال العباس: يا
رسول الله صلى الله، أتحب هذا ؟ فقال النبي عليه السلام: " يا عم
رسول الله والله لله أشد حباله مني إن الله جعل ذرية كل نبي في
صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا ". وروى أبو نعيم الاصبهاني في "
رياضة المتعلمين " عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " يا علي إن الله أمرني أن أدينك ولا أقصيك، وأعلمك ولا
أجفوك ". وذكر البخاري في قصة الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لعلي: " أنت مني وأنا منك ". الترمذي: حدثنا قتيبة: نا
محمد بن سليمان الاصبهاني عن يحي بن عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن
عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت هذه
الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (1) في بيت أم سلمة. فدعا النبي
صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا، فجللهم بكساء، وعلي خلف
ظهره. ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا ". قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال: " أنت على
مكانك وأنت إلى خير ".
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الأحزاب: 33 / الآية: 33. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 66 ]
الطبري: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ومحمد بن عمر ابن هياج
قالا: نا يحي بن عبد الرحمن الأزدي قال: نا ابراهيم ابن يوسف، عن
أبيه عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فكنت
فيمن سار معه، فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه (1) إلى شئ. فبعث
النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالدا
ومن اتبعه إلا من أراد البقاء مع علي فيتزكه. قال البراء: فكنت في
من عقب مع علي فلما انتهينا إلى وائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا
له، فصلى علي الفجر. فلما فرغ صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا
فحمد الله وأثني عيله، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم. فأسلمت همدان كلها في يوم واحد. وكتب بذلك علي إلى رسول الله
فلما قرأ كتابه خر ساجدا، ثم جلس فقال: " السلام على همدان، السلام
على همدان ". وتابع أهل اليمن على الإسلام. وقال له رسول الله صلي
الله عليه وسلم: " يا علي ألا أعلمك كلمات إذا قلتهم غفر الله لك،
مع أنك مغفور لك ؟ " قلت: بلى. قال: " قل: لا إله إلا الله الحليم
العليم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب
السماوات ورب العرش الكريم ". وقال صلى الله عليه وسلم: " من أحب
عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد
آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ".
------------------------------------------------------------------------
(1) في الأصل: لا يحبيبوه. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 67 ]
وقال له صلى الله عليه وسلم: " يهلك فيك رجلان: محب مطر وكذاب مفتر
". وقال له: " تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو اسرائيل في عيسى ".
وروى بريدة بن الحصيب (1) وأبو هريرة والبراء بن عازب وزيد ابن
أرقم وجابر بن عبد الله الأنصاري، كل واحد عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال يوم غدير خم (2): " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه ". ورواية جابر لهذا الحديث بالسند
أذكرها: حدث أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشجع قال: نا المطلب بن
زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: كنا عند جابر بن عبد الله
في بيته، وعلي بن الحسين ومحمد بن الحنيفة وأبو جعفر، فدخل رجل من
أهل العراق فقال: أنشدك بالله إلا حدثني ما رأيت وما سمعت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كنا بالجحفة (3) بغدير خم، وثم ناس
كثير من
------------------------------------------------------------------------
(1) ابن الحصيب، أبو عبد الله، ويقال: أبو الحصيب صحابي سكن
المدينة ثم البصرة ثم مرو وتوفي بها سنة 62. وهو من توفي من
الصحابة بخراسان. روى 164 حديثا عن رسول الله. أسلم قبل بدر ولم
يشهدها. وقيل أسمها بعدها. تهذيب الأسماء: 1 / 133 (2) غدير خم:
خم واد بين مكة والمدينة قريب من الجحفة فيه غدير، عنده خطب رسول
الله. (3) الجحفة: قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة. كان
اسمها " مهيعة " وإنما سمت الجحفة لأن السيل الجتحفها، وحمل
أهلها في بعض الأعوام. دعا النبي (ص) ربه أن ينقل وباء المدينة
إلى الجحفة، فرأى في منامه أن الحمى انتقلت إلى الحجفة في صورة
امرأة ثاثرة الرأس. معجم البلدان
------------------------------------------------------------------------
[ 68 ]
جهينة ومزينة وغفار، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من
خباء أو فسطاط، فأشار بيده ثلاثا، فأخذ بيد علي فقال: " من كنت
مولاه فعلي مولاه ". عبد الله بن محمد بن عقيل راوي هذا الحديث عن
جابر. قتل أبوه محمد مع الحسين، وجده عقيل هو عقيل بن أبي طالب.
وكان عبد الله بن محمد بن عقيل فقيها يروى عنه. وكان أحول، وأمه
وأم أخويه: القاسم وعبد الرحمن زينب الصغرى بنت على بن أبي طالب.
وروى أبو العباس سهل بن سعد وبريدة الأسملي وأبو سعيد الخدري وعبد
الله بن عمر وعمران بن حصين، كلهم بمعني واحد عن النب = صلى الله
عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار، يفتح الله على يديه ". ثم
دعا بعلي وهو أرمد، فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح الله عليه.
وروى هذا الحديث أيضا أبو هريرة وسعد بن أبي وقاص وسلمة بن الأكوع.
مسلم: حدثنا قتيبة بن سعد قال: نا يعقوب، يعني ابن عبد الرحمن
القاري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله،
يفتح الله على يديه ". قال عمر بن الخطاب: ما أحبيت الإمارة إلا
يومئذ. قال: فتساورت (1) لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها وقال:
------------------------------------------------------------------------
(1) تساورت: علوت ووثبت. (*)
------------------------------------------------------------------------
[ 69 ]
" امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ". قال: فسار علي شيئا ثم وفق
ولم يلفت، فصخ برسول الله: على ماذا أقاتل الناس ؟ قال: " قاتلهم
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا فعلوا
ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ".
الترمذي: حدثنا قتيبة: نا حاتم بن اسماعيل عن بكير بن مسمار عن
عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية ابن أبي سفيان
سعدا قال: ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ قال أما ما (1) ذكرت ثالثا
قالهن